سمة بارزة يلاحظها المتابع للشأن الصهيوني، مع بروز نخبة حاكمة، ومؤثرة في الكيان، تحمل في لاوعيها وصمة الهزيمة بتوقيع المقاومة في لبنان، في العام 2000 وما قبله.
وتفرض هذه السمة نفسها مع ملاحظة أن أغلب القيادات، السياسية والعسكرية الحالية، قد خدمت سابقا في لبنان ضمن جيش الاحتلال، مثل غانتس وكوخافي والناطق باسم جيش العدو، والغالبية العظمى من قيادات الصف الأول، مضافاً إليها مروحة واسعة من الكتّاب والصحافيين والمؤثرين وصُنّاع القرار من نخبة الكيان، التي تم كي وعيها في الطين اللبناني لمدة قاربت العقدين من الزمن لتكون كافية كي يخدم جيل صهيوني ناشئ برمته في لبنان ضمن خدمته العسكرية، سواء أكانت إلزامية أم اختيارية، ويحمل على إثرها الهزيمة في صلب بنيته النفسية اللاواعية إلى فترة لاحقة نشاهدها اليوم محاولاً قيادة أجيال صهيونية معاصرة صاعدة.
وبلغت ذروة تسنّم حَمَلة الهزيمة لصناعة القرار في الكيان الغاصب، مع فوز نفتالي بينيت برئاسة وزراء العدو، وتمكنه من إزالة إرث القيادة التاريخية للكيان، المتمثلة بنتنياهو.
رئيس وزراء العدو الجديد، نفتالي بينيت، مواليد 1972، يفاخر دائماً بخدمته العسكرية في جنوب لبنان أيام الاحتلال. ويدأب على نشر صوره أثناء تلك الخدمة، سواء خلال مشاركته في عدوان نيسان 1996 كما في الصورة الأولى، أو في حرب تموز ٢٠٠٦ (الصورة الثانية)، حين تم استدعاء جنود الاحتياط، فخدم كنائب قائد كتيبة في سلاح المدرعات، وتولى مهمة “صيد قاذفات الصواريخ في القطاع الغربي”، بحسب زعم مصادر العدو.
أما الصورة الثالثة، فقد نشرها بينيت منذ أيام على حسابه على تويتر، ويبدو أنها تظهره قرب قلعة الشقيف، في منطقة الخردلي، التي تربط قضاءي مرجعيون والنبطية، وكانت تفصل بين المناطق المحتلة والمحررة، عبر معبر كفرتبنيت.
ولكن الملاحظ، في البعد اللبناني في سيرته، أن بينيت يركز دائماً، على موقعه الرسمي على الانترنت، أو عندما ينشر سيرته الذاتية، أنه بعد انتسابه لجيش العدو عمل أولاً في وحدة هيئة الأركان العامة (سييرت متكال)، ثم انتقل إلى وحدة ماجلان، ومن صفوفها شارك في عدوان 1996، ويفاخر بشكل دائم أنه كان عضواً في الكوماندوس الذي نفذ عملية “خلف خطوط المواجهة” تحمل اسماً رمزياً “عملية جلد الثعبان”.
مصادر العدو تمتنع، حتى الآن، عن نشر تفاصيل عن هذه العملية المذكورة، وتنشر حولها كلمات مختصرة بأنها “عملية خاصة وكمين ضد مجموعات إطلاق الصواريخ في منطقة جبل صافي وأسفرت عن سقوط عدد كبير من “الارهابين”! بحسب التعبير الصهيوني.
بعد مقارنة المعطيات، ومراجعة تاريخ العمل المقاوم، تبين لي أن مواصفات تلك العملية تنطبق على مواجهات عقماتا التي جرت بتاريخ 19/9/1996، والتي تتوافق مع خدمة بينيت في تلك المنطقة، وهي المعركة الوحيدة البارزة في تلك الفترة، وفي تلك المنطقة، مع قوة صهيونية حاولت التقدم خارج المناطق المحتلة، فكان لها المقاومون بالمرصاد، وأوقعوا فيها مقتلة أسفرت عن سقوط قتيلين صهيونيين و12 جريحاً حسب تقارير الوكالات. ويومها ارتقى للمقاومة شهيدان، هما: الشهيد ربيع وهبي “سراج”، والشهيد حسن مريش “كرار” .
الظاهر هنا بشكل واضح أن التعمية مقصودة بهدف إبقاء الهالة متضخمة حول بينيت، وإنجازاته المزعومة، لذلك كان الحرص على عدم نشر التفاصيل، التي ستبقى جمراً تحت رماد يؤرق بينيت مع رفاقه، وأعوانه، وستبقى غصة تحرق أعصاب الكيان حتى مقتله.
لعلّ مقولة فرويد تكفينا في هذا الإطار: «من الواجب أن نهتم بالنسيان أكثر من التذكر، فلكي نتعرف إلى مجتمع ما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ما لا يُخلّد».
يرى التحليل النفسي، أنّ النسيان أو التناسي هو «وسيلة للتغلّب على الذكريات الأليمة»، وهذا ينطبق هنا على العقيدة الصهيونية القتالية التي أسطرت جيشها، وقدمته على أنه لا يُهزم، ولن يخسر أي حرب مع أعدائه، بغية «الحفاظ على شعب الله المختار، في أرض الميعاد»، بحسب العقيدة المؤسسة للكيان الغاصب. لكن مع هزيمته في لبنان، ذهب كل ذلك أدراج الرياح، فلم يعد أمامه من بدّ إلا التناسي.
نعم، حرب لبنان، باتت صدمة أصابت صميم العقيدة العسكرية للكيان التي تمثل علّة وجوده، وجعلته يتجرّع كأس الهزيمة، والغرق الطويل من دون أن يحقّق أي هدف من أهدافه المعلنة، وأجبرته في آخر المطاف على الفرار من دون أي معاهدة أو مقابل، ولو رمزي، لحفظ ماء وجهه…. وستبقى كابوساً يقض مضجعه، ومضجع قيادته الحالية التي صارت مضرباً للمثل الشعبي “ذاقت المغلاية فعرفت شو الحكاية”.
ذو وجهين..اما ان يتحاشوا الخوض في اي حرب جديدة على لبنان لما خاضوه من تجربة مريرة بهذا الخصوص ..او يدفعهم شعورهم بالخزي والهزيمة لمحاولة الانتقام ورد الضربة ..والتعويض عن هزيمتهم…اىايام القادمة قد توضح الصورة . .