الهرطقات النسوية اللبنانية

يغص المجتمع اللبناني اليوم بأعداد كبيرة من التجمعات والحركات والجمعيات الأهلية والمدنية ذات التوجهات والخلفيات والأهداف المختلفة، الواضحة وغير الواضحة، المعروفة وغير المعروفة، الحقيقية والوهمية. وفي ظل الأوضاع المصيرية والدقيقة المحلية والدولية التي نشهدها يطل علينا بعض هذه الجمعيات بنظريات وأفكار وتصريحات صادمة تطال صلب المجتمع وكيانه وجزءًا لا يتجزأ منه.

هذه التصريحات ربما تبدو صادمة للوهلة الأولى، إلا أنها في الحقيقة تحمل رسائل متعددة الأهداف والغايات. وما تقدمه الحركة النسوية في لبنان مؤخرًا، هو نموذج واضح وصريح عن هذه الفئات.

الحركة النسوية اللبنانية بالنسخة الغربية
مرت الحركة النسوية في العالم بشكل عام وفقًا للباحثين الاجتماعيين بثلاث مراحل أو موجات كما سمّوها. ويبدو أن الموجة الثالثة التي بدأت مع نهايات ثمانينيات القرن الماضي هي الأكثر تأثيرًا في الحركة النسوية اللبنانية بنسختها الحالية.

لم تختلف أهدف الحركة النسوية اللبنانية في لبنان كثيرًا عن تلك المحددة من قبل الحركة النسوية العالمية وتحديدًا الغربية منها، فقد كانت المطالب تسير في اتجاه واحد، شمل على سبيل المثال لا الحصر، تطبيق مبدأ المساواة مع الرجل، وتكريس مشاركة المرأة في الحياة السياسية والمدنية، وانخراطها في سوق العمل وتطبيق مبدأ العدالة في هذا المجال، وغيرها من المطالب التي بدت في العديد منها مطالب محقة، استوجبت ولا زالت تستوجب في الكثير من الأحيان التحرك والدعم والمطالبة لتحقيقها.

هذه المطالب التي كانت تندرج ضمن لائحة الحقوق والمطالب المنطقية المحقّة أضاعت مسارها ربما في الآونة الأخيرة، بل يبدو أنها انحدرت الى مسارات أكثر خطورة وعنصرية وجهلًا، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمبادئ والأخلاق والحريات الدينية.
ففي حادثة أخيرة، نشر أحد المواقع التابعة للإعلام “البديل” مقابلة لإحدى الناشطات في الجمعيات النسوية، تتحدث فيها عن موضوع الحجاب وحقيقة الموضوع من منظورهم الشخصي، حيث تبين لهم أن الحجاب هو ” فكرة ذكورية محض” وفقًا لتحليلهم الجندري، وأن لا علاقة للقرآن الكريم بذلك، اذ قامت مجموعة منهن بإعادة تفسير القرآن الكريم والوصول الى هذه النتيجة “التي لم يستطع حتى الفقهاء أن يجادلوهم بها”.

هذا الكلام الذي يندرج تحت مسمى “المهزلة والجهل”، لا تقف نتائجه وأهدافه عند حدود إحداث ضجة اعلامية وحملة من المد والجزر بين طرفي الرأي العام المؤيد والمعارض، بل إن الغاية هي أعمق وأخطر من ذلك بكثير.

المواجهة ثقافية والوعي أساس المواجهة
لم ولن تكون أهداف مثل هذه المواقف والأحداث، أهدافًا عابرة مؤقتة فحسب، بل هي تضرب مباشرةً صلب جزء كبير جدًا من الرأي العام ومبادئه وحرياته الدينية، محاوِلةً الحصول على أي حجة لتشويه صورته والشك بمبادئه وعقائده. وما أشبه هذه الأهداف بتلك التي سعى جزء من الإعلام الغربي، والإعلام المعادي، لتحقيقها ولا زال، لا سيما وأن قضية الحجاب بشكل خاص تشكل هاجسًا وقلقًا ومصدرًا للعدوانية والعنصرية لدى العديد من الأنظمة الغربية لأسباب هم اخترعوها وبلوروها وألبسونا إياها. ويجدر بنا في كل مرة أن نذكّر أن هذه الأنظمة تنسب إلى نفسها للأسف مبدأ احترام الحريات الشخصية والدينية وتحقيق مبدأ الديمقراطية!

ومن ناحية ثانية فإن السؤال عن مصادر تمويل هذه الجمعيات والبرامج التي يخضع لها العاملون فيها تؤكد أيضًا صحة ما ذكر.
هذه الجمعيات، والمقصود هنا تلك التي أتحفتنا وتتحفنا كل يوم بنظرية جديدة على نحو ما ذكر، وإن كانت تتحرك تحت هدف سامٍ يتعلق بتحرير المرأة وتمكينها والحفاظ على حرياتها الشخصية وغير ذلك، فإن ما نشر يتعارض تمامًا مع هذه الأهداف “الوردية السّامية” والتي أظهر الواقع وجهها الآخر وتوجهها الحقيقي.

أمام كل ذلك، فإن الأمر يتطلب منا المزيد ثم المزيد من الوعي للحد من انتشار وتفشي هذه الظواهر في أوساط المجتمع والرأي العام، والعمل على إظهار حقيقة الأمور، وتصويب الجهود لمواجهة مثل تلك المؤامرات التي تساق إلينا على نحو بطيء ومتقطع. ولعلّ أهل الصحافة ورواد مواقع التواصل الاجتماعي هم المعنيون اليوم وأكثر من أي وقت مضى، نظرًا لكون مثل هذه الأحداث تكون خفية المعالم في الكثير من الأحيان.

كفاكم في هذا البلد هرطقات وشعوذات ثقافية واعلامية، كفاكم كذبًا وجهلًا وحقدًا، فهذه البلاد يكفيها ما حل بها من انهيارات وكوارث وأزمات، وأصدق ما يقدمه المرء لكم نصيحة مفادها أن حبّذا لو تستثمرون جهودكم وطاقاتكم تلك بما يوحد الناس والرأي العام لا بما يفرّقهم، وأن لا تكونوا في نهاية الأمر دعاة فتنة أو أدوات لها، لأن الحقد والكراهية والفتنة ستصيبكم في نهاية المطاف وتفتك بصفوفكم، والمهم والأهم من كل ذلك ألا تراهنوا يومًا على أمة صانت مبادئها ودينها وقرآنها بدماء أبنائها وقدّمت في سبيل ذلك ولا زالت أغلى ما لديها.

اساسيالنسوية