محمد علي خازم – خاص الناشر |
اعتدنا في عالم الإعلام أن نبحث في مقالاتنا عن معلومات نكتبها ليتلقاها القارئ كمعلومة منطقية تُشبعُ نهمهُ للاطلاع والمعرفة، لنخاطب عقلهُ وطلبه للواقع. وفي أحيانٍ أخرى قد يكون المقال تحليليًّا، لكنّه أيضًا ليخاطب عقل المتلقي.
أما عند الكتابة عن قائدٍ بحجم ابراهيم النابلسي، فلا حاجة لمخاطبة العقل وشغف العلم، عينا “أبو فتحي” تكفيان ليدخل قلبكَ دون أي إنذار، ولتتسلل براءةُ بسمته إلى الوجدان، فيصبح العقل مسخّرًا للعمل بمهمة واحدة، الدعاء لإبراهيم بالحفظ والسلامة.
لم يميّز ملهم انتفاضة الرصاص حديثة الولادة في الضفة، أنه انطلق كطائر الفينيق تحت ركام أوسلو وسلطة العمالة، ومحاولات العدو وخلفه أمريكا وأمامهما منظمات “الخراب المدني” القضاء على أي روح تنبض بالكرامة والمقاومة في الضفة الغربية. كان يكفي إبراهيم أن يبحث كما كثير ممن هم في سنّه عن أبواب الحياة المترفة، والتي بات الاستسلام أسهل طرقها خصوصًا في الضفة.
أما روح كروح “النابلسي”، فلم تطق عيش المهَانة، ولم تستطع تقبل الذل ووجود الغاصبين على أرضهم كحالة طبيعية، فانطلق يزأر في ميادين جبل النار ممطرًا العدو برصاصه حتى أذاقهم الكابوس الأصعب، بث روح الجهاد في الضفة.
لن أطيل الحديث عن منجزات ابراهيم أو عن كم مرة نجا من الاغتيال، لكنني أدرك جيدًا أن الكيان لا يخصص لقتل شخص قوات خاصة مرات ومرات، إلا إذا كان خطرًا محدقًا، كمحمد الضيف وتيسير الجعبري وخالد منصور، وليس آخرًا، كإبراهيم النابلسي.
قد لا يتقبل العقل أن هذا المطلوب الخطير، بالأحرى هذا القائد الفذ، لم يتم العشرين من عمره، وللأمر هنا وجهان لكنه في الحالتين خيرٌ لآمالنا:
الأول أن ابراهيم أعاد لنا الأمل بقيام الضفة مهما تأخر الوقت، والثاني، هو أسوأ ما قد يخطر ببال العدو، أن شابًّا ولد بعد أوسلو والانتفاضة، يرفض تقبل وجود الكيان.
روحك أيها العزيز الملهم، وبكل ثقة بالله نقول، لا بدّ أن تكون صدقة سرّ في أرض الطُّهر فلسطين، مع أن فكرة استشهادك كنا قد هيأنا أنفسنا لها، لكن بالله عليك، هل استسهلت أن ننظر إليك غافيًا مخضبًا بدمك، ونحرك نازفٌ بالأحمر الذي لم يستكن يومًا؟
لعلها المرة الثانية التي نرى فيها فلسطين محمولة على الأكتاف بعد العيّاش، بل رأينا في جثمانك فلسطين، متشحةً بفلسطين.
عودٌ على بدء، قلةٌ هم الذين يختارون موتهم كما يريدون، وهكذا “قائدي وسيدي إبراهيم”، اختار بنفسه، وبملء إرادته وعشقه، أن ينال أشرف المَوت، قتل الشّهادة.