لكل عصر كربلاء، وكل أرض خضّبت بدماء حق هي بلا منازع عاشوراء، ولأن الحقّ لا يموت ولن يموت يومًا طالما روح الجهاد والشهادة حيّة في أنفاس الأمة، فإن لفلسطين مكانة لن يبلغها أحد من مقامات الشهادة والتضحية والبطولة.
أمام أنظار العالم بأسره، يقاوم صاحب الحق بشراسة، يقاوم بروح ما خمدت يومًا، يقاوم بوجه معركة الباطل التي اجتمع الكون على نصرتها، إلّا هو، وقف صارخًا في وجه هذا العالم صادحًا: “هذه الأرض لي، ومثلي لا يترك أرضه وإن سلبتم روحه”.
العرب بين الصحوة والغيبوبة
لا تكاد المعركة تنطفئ، حتى تعود لتندلع مجددًا، كيف لا، وفلسطين هي قاهرة الشيطان الأكبر، ومحط أنظاره هو وأسياده، ولغزهم الذي أعجزهم طيلة وجودهم الوهمي الكاذب؟ وها هم أبناء هذه الأرض يحمون أرضهم وعرضهم وبيوتهم بأجسادهم، ويزفّون كلّ يوم إلى السماء شهداءهم، يقبلون على الموت بعزم ونهم ويكلّلون شهادتهم بالنصر.
وأمام ما حدث ويحدث كل يوم من اعتداءات وقصف ودمار، ينظر العرب بمعظمهم إلى إرهاب الصهاينة وحقدهم بمنظر المشاهد المتفرّج، الذي شاهد ولم يشاهد، أو الأدق أنه شاهد ولكن العبودية والخوف من أسياده قد قطعا لسانه وأعميا قلبه وأسكتا ضميره.
وكأي حدث يطال فلسطين بكل أراضيها، ينقسم الرأي العربي الذي ما توحد يومًا، وتتوزع الدول العربية بين مستنكر وصامت، والصمت هنا أشد حقارة من أي شيء، بل هو ليس سوى تأييد مبطن لهذه الوحشية والهمجية. وفي هذا الإطار فإن الدول العربية التي تندرج تحت التصنيف الثاني والأشد خطورة وذلًا هي للأسف في تزايد أكبر، تفضح معالمه سياسات التطبيع بأشكالها المختلفة، السياسية والثقافية والاقتصادية، وقد وصلت آخر مظاهر الغرابة والحقارة معًا إلى حد قيام إحدى الدول المطبعة بتحذير رعاياها من خطورة النيران والقصف الفلسطيني أثناء تواجدهم في المناطق الفلسطينية التي يحتلها الكيان الغاصب، والمؤكد أن هذه المظاهر والعينات التي نقابلها ونسمع عنها يوميًا لم ولن تكون الأخيرة!
بلغ عدد الدول العربية غير المطبعة لحد الآن والتي نددت بالعدوان الصهيوني على غزة خمس دول، حيث كان لبنان من ضمنها، أما الدول الأخرى فلم تحرك ساكنًا، ولم تثبت موقفًا، لا سيما تلك التي تسجل حضورًا كبيرًا على ساحة التطبيع العربي- الصهيوني. والجدير بالذكر أن عدد الشهداء الفلسطينيين الذين ارتقوا من جراء مجازر العدو بلغ 41 شهيدًا، بينهم 15 طفلًا و4 نساء، بالإضافة إلى 311 جريحًا.
هذه الحصيلة من الشهداء لم توقظ ضمير الدول العربية الغارق في سبات عميق، ولم تحرك ساكنًا أو حسًا إنسانيًا فيهم، تمامًا وكأن يزيد وأتباعه قد تجلوا فيهم، وكأن كربلاء اليوم تعيد نفسها مجددًا، بين معسكر الحق والدين المحمدي الأصيل، ومعسكر الشرك والإرهاب والذل.
أيها العرب: استيقظوا!
عند وقوفك أمام المشهد الحاصل في فلسطين، تجد نفسك أمام مشاعر متناقضة منفصلة، جزء منها يأخذ بك إلى القاع، حيث ترى الخذلان والذل والتواطؤ المخزي، ترى عبيد المال والسلطة والجاه وحب الدنيا، ترى حكامًا تعرّوا من العروبة والكرامة والشجاعة، باعوا أنفسهم وأرضهم وفلسطين ومقدساتها بجهلهم وحماقتهم وظلمهم، لأحقر سلطة وادارة أنجبها التاريخ، وفي المقابل يولد في روحك شعور آخر مغاير، يحملك إلى قمم الحياة ومكنونات السماء، حيث تمتلئ روحك بالحرية والشجاعة، وتلتمس معاني الكرامة، وتعيش شعور الفخر والنصر، هناك فقط حيث تتجلى معالم الشهادة والسيادة.
أمام هذا المشهد تشعر بأنك مسؤول ومكلّف، وأن سكوتك هو مبرر للظالم، أمام هذا المشهد لا يصلح سوى مبدأ المقاومة بكل أشكالها، العسكرية والثقافية والاقتصادية والإعلامية، فالمصافحة هنا اعتراف والسكوت اعتراف والحياد اعتراف، والمطلوب هو تسليط الضوء على كل ما يمكن لكل عربي شريف أن يقوم به لمقارعة الظالم والمعتدي ولرجم المطبعين وتبيان حقارتهم ان كان عبر السلاح، أو المقاطعة أو الحرب الإعلامية والتصدي للحملات التي يشنها العدو وأتباعه عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، لعل ضمير هؤلاء العبيد يستيقظ يومًا وتعود إليهم إنسانيتهم التي فقدوها في طريق الذل والخيانة.
لم تكن فلسطين يومًا، كل فلسطين، جزءًا من الوطن العربي فحسب، بل كانت ولا زالت الأساس والمبدأ، القضية والمرجعية، البوصلة والوجهة التي لن نحيد عن مسارها ولن نتخلى عنها، فطريق كربلاء التي عُبّدت بالدماء والتضحية وتكلّلت بالشهادة، تتكرر معالمها في كل زمان ومكان، واليوم وأكثر من أي وقت مضى نرى الزمان يعيد نفسه في فلسطين وبين أهلها، ونرى الأرض تودع أبناءها برايات النصر لتستقبلهم السماء بعز وفخر.