عاشوراء والتحرير الثالث

د. أحمد الشامي – خاص الناشر |

تؤكد الحقائق على الطبيعة الواحدة للإنسان، في اليوم كما الأمس، وما استسلام هابيل أمام نزعة الشر لدى أخيه قابيل، إلّا وقد زادت الأخير وهمًا، والأنا تضخمًا، فحدثت الخطيئة التي كشفت عن اعتلال جوهري في نفوس بشرية، ترى في إنسانية الآخر علامة ضعف ومصدر استقواء، ومنافذ للشر حتى يعيث فسادًا إلى حد إراقة الدماء.

يعدّ الإمام الحسين(ع) أحد أهم المصلحين على مستوى تاريخ البشرية، ممّن وضع يده على مكامن هذا الاعتلال، بوصف علاجه مدخلية لإحداث التغيير الثوري في واقع المجتمعات التي تعاني من قهر الظالمين لهم. فالسكوت عن الظالم، إنّما يزيده ظلمًا، والحياة فسادًا، والمقهورين ألمًا.

قليلون هم الذين أدركوا السر الكامن في ثورة الحسين(ع)، يتقدمهم الموالون له في لبنان، ممّن أحالوا دمعتهم المراقة حرقة على مصابه وآل بيته، بلسمًا لغشاوة، فصارت عيونهم على مستوى من البصيرة والاقتدار، تقاوم المخرز لتكسر شوكته.

ولأنّهم التحقوا بالحسين(ع) بلغوا الفتح، فكتب الله على أيديهم حُلم الأنبياء، والفقراء، حتى سكان السماء، فكان التحرير الأول، للأرض، التي أرهقها ثقل أقدام المحتلين الغزاة، ثمّ التحرير الثاني، للهوية، التي شوّهها أدعياء لرسالة سمحاء، بتكفيرهم الآخر المختلف والحكم عليه بالإلغاء.

ولأنّ ذلّ العوز والحاجة هو تهديد للأرض، والعرض، والهوية، فها هم رسل الطاغية يحكمون الحصار من جديد، للنزول تحت حكمه، ووصايته، وشروطه، أو الموت جوعًا، عطشًا، وليس أمام الملتحقين بالحسين(ع) إلّا إنجاز التحرير الثالث.

اساسيالمقاومةعاشوراء