فؤاد كريم – الناشر |
بعد استفحال الأزمة المعيشية، وبعد أن أصبح الموت في طوابير أمام محطات المحروقات، أو قهراً على ضياع جنى العمر في قبضة المصارف، ومع حال القلق الذي يعيشه الآباء في انتظار وصول جرعة دواء أو علبة حليب، صار لزاماً على أحد ما في لبنان السؤال عمّن يقف خلف احتكار لقمة عيش اللبنانيين ودوائهم ومالهم، خصوصاً مع الاداء المريب لحاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف معه.
ولكي يعي اللبنانيون حجم التآمر الذي مارسته سلطة رأس المال على حقوقهم الاقتصادية والمعيشية، وصولاً إلى أمنهم الشخصي، لا بد أن تكتمل الصورة لديهم حول ارتباطات بعض أصحاب ومالكي المصارف اللبنانية بأذرع من قتلهم وهجّرهم واحتل أرضهم. نعم، بعض رؤوس جمعية المصارف تربطهم علاقات وصداقات – وربما ما يتخطّى ذلك – بأحد أخطر الأذرع الصهيونية المحرّضة على فرض العقوبات على اللبنانيين وتجويعهم.
إلى أن تنضج حالة شعبية عابرة للطوائف والمذاهب، وتثمر محاسبة للمتآمرين على قوت اللبنانيين وحقوقهم، وتفرز آليات للكشف عما حاكته سلطة رأس المال في الخفاء، وجبت الإضاءة على جزء يسير من ارتباطات بعض رؤوس هذه السلطة المشبوهة، فما يلي هو الظاهر للعلن فقط، ربما قد يساعد على فهم أوسع لسلوك المصارف وتآمرها على اللبنانيين.
يوم خرج وزير الاتصالات السابق محمد شقير في 10 تموز 2019، ليعلن تكريم رئيس جمعية المصارف آنذاك جوزيف طربيه، في حفل وداعي برعاية وحضور رئيس الحكومة في حينه سعد الحريري، وصف طربيه بـ”الاقتصادي والمصرفي العريق الذي بات اسمه في السنوات الماضية عنواناً للمواجهة والصمود لإبقاء موقع لبنان قوياً واقتصاده معافى سليماً”. من غير الواضح ماذا عنى شقير بـ “المواجهة والصمود” اللذين نسبهما لطربيه، هل كان الأخير يواجه عدواً خارجياً يريد مشاركته هو وأضرابه خنق اللبنانيين معيشياً؟ الوزير شقير، بحكم الخلفية التي يأتي منها، ينظر إلى كل منتقد ومُطالب بمحاسبة سلطة رأس المال كعدو، لذلك هو يعتبر طربيه طليعياً في مواجهة “المتربّصين” بالقطاع المصرفي ومصالح الحيتان.
على اللبنانيين اليوم أن لا يحاكموا جمعية المصارف بمعزل على ارتباطاتها بالخارج، فكثير من السياسات التي تنتهجها في الداخل لها ما يفسّرها إذا تتبّعنا ارتباطاتها الخارجية. في موقعه الإلكتروني، يتفاخر رئيس جمعية المصارف جوزيف طربيه بعلاقته بالمدعو “تشيب بونسي”، الأميركي المتصهين الذي أخبرنا إعلام المصارف أنّه أحد مؤسسي ما يسمى “شبكة النزاهة المالية”، لكن عند التقصّي عن خلفيات الرجل سيظهر ما هو أكبر من ذلك.
شغل تشيب بونسي حتى عام 2013 منصب مدير “مكتب السياسة الاستراتيجية لمكافحة تمويل الإرهاب والجرائم المالية” في وزارة الخزانة الأميركية، وكان ضمن الفريق الخاص لخوان زاراتي، أوّل “مساعد لوزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب والجرائم المالية” بين عامي 2001 و2005، ثمّ نائب مساعد الرئيس الأميركي ونائب مستشار الأمن القومي لمحاربة الإرهاب ما بين عامي 2005 و2009، وقد ذكر طبيعة العمل الذي قام به لتطوير أدوات الحرب الإقتصادية الأميركية في كتابه “حرب الخزانة” (راجع “الأخبار”، ملحق رأس المال، 21/01/2019). إذاً، الرجل من مهندسي نظام العقوبات الذي تكتوي به الشعوب من كوريا الشمالية إلى فنزويلا وكوبا وفلسطين وسوريا وإيران ولبنان. الخطير في انتماء بونسي، بعد تركه عمله في وزارة الخزانة الأميركية، هو عمله ككبير مستشاري ما يسمى “مركز القوة المالية والاقتصادية”(أنقر هنا) التابع لـ”مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، ذراع حزب الليكود الإسرائيلي في الولايات المتحدة، ورأس حربة المحرّضين على فرض العقوبات على بيئة المقاومة وكل من تربطه علاقة بحزب الله. هذه المؤسسة حرّضت على الجيش اللبناني (أنقر هنا) مدّعية أنّه سهّل مرور تكنولوجيا معقّدة عبر مطار بيروت “ساهمت في صناعة حزب الله للصواريخ الدقيقة”، كما أنّها تتفاخر بخوضها الحرب على الجالية اللبنانية في أميركا اللاتينية، بذريعة توفير اللبنانيين هناك مصادر تمويل لحزب الله.
علاقة جوزيف طربيه ببونسي لا تبدو أنّها عابرة أو آنية، أو أنّها للاحتماء بلقبه السابق في وزارة الخزانة، فهو يدعوه لحضور مؤتمرات “الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب”، كما حصل في 12 شباط عام 2016 (أنقر هنا). وتأكيداً على أن علاقة بونسي بجمعية المصارف ليست محصورة فقط بجوزيف طربيه، يتبيّن أنّ أحد رؤساء البنوك استضاف بونسي في أيلول عام 2014، وأولم له وجمع له موظّفيه ليلقي عليهم “محاضرة” حول “تطبيق أساليب قانونية جديدة لمكافحة تمويل الإرهاب ومكافحة غسل الأموال”. وبحسب الخبر عينه (الذي نشره المصرف على موقعه في 24 تشرين الأول من ذلك العام) حضر موظفو ورؤساء أقسام المصرف محاضرة أخرى لبونسي عن “النزاهة المالية وأنظمة محاربة الجرائم المالية” بضيافة “كرسي رامي مخزومي” في كلية سليمان عليان لإدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت (أنقر هنا) .
يُذكَر أنّ علاقة القطاع المصرفي اللبناني المشبوهة بعملاء حزب الليكود الإسرائيلي الأميركيين في واشنطن لا تقتصر على تشيب بونسي، فقد سبق لرئيس مجلس إدارة بنك سوسييتيه جنرال أنطوان صحناوي أن أعلن (وبكل ثقة واستفزاز لمشاعر شريحة واسعة من اللبنانيين) تعيينه المسؤول في وزارة الخزانة الأميركية السابق “دانيال غلايزر” مستشاراً له. طبعاً غلايزر الذي سمع اللبنانيون باسمه جيداً في ربيع عام 2016، عندما زار لبنان وهدد اللبنانيين بالعقوبات “إذا سمحوا لحزب الله باستعمال القطاع المصرفي”، هو أيضاً صديق وشريك تشيب بونسي وأحد مؤسسي “شبكة النزاهة المالية”، التي تحت غطائها يتواصل القطاع المصرفي اللبناني مع الصهاينة الأميركيين المحرّضين على فرض العقوبات على اللبنانيين. لكن أيضاً، كما بونسي، ما هو غير معروف عن غلايزر، هو أنّه يشغل منصب عضو مجلس مستشاري “مركز القوة المالية والإقتصادية” (أنقر هنا) التابع لـ “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”. هذا الصهيوني تحدث مرةً في ندوة نظّمها “مركز ويلسون” الأميركي، وقال بالحرف: “لا يمكننا أن نخرج حزب الله من جنوب لبنان، لكننا قمنا بعملٍ ما، أوصل رسالة تحدٍّ لهم عبر القطاع المصرفي في بيروت”.