رغم العقوبات روسيا تملك زمام الطاقة وخيارات اوروبا محدودة

اعلنت موسكو ان السبب في خفض ضخ الغاز لأوروبا يعود الى عمليات الصيانة، وبناء على ذلك سينخفض -مجددًا- حجم الضخ اليومي للغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1” إلى 31 مليون متر مكعب يوميًا، من أصل 60 مليون متر مكعب، وذلك وفقًا لما كشفته شركة “غازكاد” المشغلة لخط أنابيب “نورد ستريم 1”.

واشار بعض مسؤولي الطاقة الحاليين والسابقين الى انهم قلقون من أن الحرب في اوكرانيا في أعقاب سنوات من نقص الاستثمار في قطاع الطاقة قد تدفع العالم إلى أزمة من شأنها أن تنافس أو حتى تتجاوز أزمات النفط في السبعينيات وأوائل الثمانينيات.

كان الاقتصاد العالمي قادرًا إلى حد كبير على تحمل ارتفاع أسعار الطاقة حتى الآن. لكن الأسعار قد تستمر في الارتفاع إلى مستويات غير مستدامة حيث تحاول أوروبا أن تنأى بنفسها عن النفط الروسي، وربما الغاز. قد يؤدي نقص الإمدادات إلى بعض الخيارات الصعبة في أوروبا، بما في ذلك التقنين.

بالطبع، هناك اختلافات رئيسية بين اليوم والسبعينيات. لم ترتفع الأسعار بالقدر الذي كانت عليه في ذلك الوقت تقريبًا، ولم يلجأ صانعو السياسة إلى خطوات متطرفة مثل تحديد الأسعار.

لقد سعى الغرب عندما بدأت الحرب إلى تجنب استهداف إمدادات الطاقة الروسية بشكل مباشر لأنها كانت ببساطة شديدة الأهمية للأسواق العالمية. ليست روسيا أكبر مصدر للنفط في العالم فقط، لكنها أكبر مصدر للغاز الطبيعي ومورد رئيسي للفحم.

أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطط هذا الأسبوع للتخلص التدريجي من 90٪ من واردات النفط الروسية بحلول نهاية العام. وأثارت هذه الخطوة شبح المزيد من الانتقام من جانب روسيا.
لقد أدى هذا الموقف الانتقالي إلى تفاقم نقص الإمدادات في أسواق الطاقة التي كانت ضيقة بالفعل.

وفقًا لمركز الطاقة الدولي، بلغ الاستثمار في المنبع في قطاع النفط والغاز 341 مليار دولار فقط في عام 2021، أي أقل بنسبة 23٪ من مستوى ما قبل كوفيد البالغ 525 مليار دولار وأقل بكثير من الذروة الأخيرة في العام 2014 البالغة 700 مليار دولار.

كانت أوروبا تكافح بالفعل أزمة طاقة العام الماضي وكانت أسعار الغاز الطبيعي والفحم والنفط مرتفعة قبل وقت طويل من بدء الحرب في اوكرانيا.
لقد تميزت أزمة النفط عام 1973 بوجود طوابير طويلة أمام محطات البنزين ونقص الوقود والذعر.

قال الخبراء إنهم قلقون بشأن نقص الوقود مرة أخرى اليوم، على الرغم من أنهم يعتبرون ذلك خطرًا أكبر في أوروبا منه في الولايات المتحدة.
وقال بلانش من بنك أوف أميركا إنه يعتقد أن هذا الخطر أقل في الولايات المتحدة لأن البلاد لا تزال واحدة من أكبر منتجي النفط على هذا الكوكب ومصدرًا رئيسيًّا للطاقة. من ناحية أخرى، تعتمد أوروبا بشكل أكبر على النفط والغاز الطبيعي الأجنبي خاصة من روسيا.

بالطبع، لا أحد يستطيع أن يقول على وجه اليقين بالضبط كيف ومتى ستنتهي ازمة الطاقة. سيحدث كل هذا، وقد تكون هناك مفاجآت تخفف من أزمة العرض. على سبيل المثال، سيكون الاختراق الدبلوماسي الذي ينهي الحرب في أوكرانيا ويسمح برفع العقوبات عن روسيا بمثابة تغيير في اللعبة.

ومن ضمن المفاجآت الأخرى التي من شأنها تخفيف أزمة الطاقة إبرام اتفاق نووي إيراني أو تباطؤ اقتصادي أعمق في الصين أو اتفاق بين السعودية ومنتجي أوبك الآخرين لزيادة إنتاج النفط.

الكرملين الذي كان قد أعلن أن مشكلة تقنية تواجه أحد التوربينات في خط “نورد ستريم 1″، بعد إصلاح توربين آخر في كندا، هو الآن في طريقه إلى موقعه، أشار إلى أن المشاكل التقنية في خط الأنابيب المذكور معقدة للغاية، وتعود الى القيود والعقوبات المفروضة على روسيا، محذرًا من تداعيات العقوبات الغربية على استكمال عمليات الصيانة، حيث إن الأوروبيين يرفضون المبرر التقني ويتهمون موسكو باستخدام الغاز كسلاح اقتصادي وسياسي، وذلك على لسان المتحدثة باسم الحكومة الألمانية إنها “لعبة قوة” وتخفيض “ليس له سبب تقني”.

الإعلان الروسي عن خفض جديد لتدفق الغاز الطبيعي حرض على الارتفاع بأسعار الكهرباء في أوروبا إلى مستويات قياسية، إذ أوردت وكالة “بلومبيرغ”، أن أسعار الغاز الطبيعي قد ارتفعت في أوروبا بنسبة تزيد على 21%، كما وصلت أسعار العقود الآجلة للفحم إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، ومعها ارتفعت أسعار العقود الآجلة للكهرباء في ألمانيا بأكثر من 10%، وفي فرنسا بأكثر من 6%. وأَضافت بلومبيرغ أن هذه الارتفاعات ستزيد من معاناة المستهلكين، والشركات، والقطاع الصناعي الذي يعاني أصلا من تداعيات ارتفاع نفقات معدلات التضخم إلى مستويات قياسية.

وكان الاتحاد الأوروبي وافق خلال اجتماع وزراء الطاقة في بروكسل على خطة خفض طوعية لتخفيض استهلاك الغاز الروسي بنسبة 15% بداية من الشهر المقبل وحتى 31 مارس/آذار 2023 مقارنة بمتوسط استهلاكها في السنوات الخمس الماضية.

ان الإحجام عن تدفق الغاز الروسي نحو أوروبا يأتي في وقت تشكل فيه واردات الغاز الروسي لأوروبا نحو 68% من مجمل صادرات شركة “غازبروم” الروسية، وفق بيانات الشركة لعام 2020، وبحسب ما أعلنته وكالة الطاقة الدولية فإنّ الدخل الناتج من صادرات الغاز والنفط شكّل في يناير/كانون الثاني 2022 ما نسبته 45% من الميزانية الفدرالية الروسية، وتدفع دول الاتحاد الأوروبي يوميا 400 مليون دولار لروسيا ثمنًا للغاز.
فهناك دول في الاتحاد الأوروبي يمثل الغاز والنفط الروسيان عصب الحياة لها كالمجر التي تستورد 65% من نفطها من روسيا و80% من الغاز الذي تستخدمه.

ورغم الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من قرارات حظر استيراد النفط الروسي، من قِبل الولايات المتحدة وغيرها، أثبتت صادرات موسكو وإنتاجها من الخام مرونة كبيرة، لعدة أسابيع، فإنه يبدو أن هذا الوضع بدأ في التغيّر، بحسب تقرير نشره موقع أوبن إنسايتس (Open Insights).
ومن المتوقع أن يشهد إنتاج النفط في روسيا انخفاضًا ملحوظًا، حتى دون خطط الاتحاد الأوروبي للابتعاد عن الواردات الروسية، مع إعلان العديد من الشركات الكبرى انسحابها من تجارة الخام الروسي، ومن شأن ذلك أن يُعمِّق أزمة الطاقة العالمية.

وكانت وكالة الطاقة الدولية قد أوضحت أن تأثير العقوبات الغربية في النفط الروسي سيبدأ الظهور بشكل كامل من مايو/أيار 2022، مع احتمال تعطل نحو 3 ملايين برميل يوميًا “إنتاج موسكو”؛ ما يفاقم أزمة الطاقة.

من جهته قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال لقائه ممثلي السلك الدبلوماسي الأفارقة في العاصمة الإثيوبية، إن أوروبا وضعت العقبات أمام مشاريع الطاقة الروسية نورد ستريم 1 و2، وهي التي حرمت نفسها من 50% من الغاز الروسي الرخيص دون سبب وجيه، فقط بهدف استبعاد مشاريع الطاقة الروسية.

وقد كتبت الصحافية ايلينا تريغوبوفا مقالًا في صحيفة “أرغومينتي إي فاكتي” الروسية بعنوان لماذا أوقفت “غاز بروم” توربينًا آخر في “السيل الشمالي-1″؟ اشارت فيه الى أيام عصيبة تنتظر الصناعة الأوروبية نتيجة إيقاف غازبروم الروسية توربينًا آخر في خط نقل الغاز إلى أوروبا. وأض1افت أنه اعتبارًا من 27 يوليو، سيتم تخفيض ضخ الوقود الأزرق إلى أوروبا إلى 33 مليون متر مكعب يوميًّا، وهو ما يمثل 20٪ فقط من طاقة الأنبوب. فحتى منتصف يونيو، كان يُضخ 167 مليون متر مكعب من الغاز عبر هذا الخط يوميًّا.

تم إيقاف التوربين “بسبب نهاية الوقت الفاصل بين الصيانة وإعادة التعمير”. وبالنتيجة، قفزت أسعار الغاز في البورصة على الفور إلى 1850 دولارا لكل ألف متر مكعب.

يبدو أن خطط السلطات الأوروبية لملء منشآت تخزين الغاز تحت الأرض بنسبة 90٪ بحلول الأول من نوفمبر لن تتحقق. فحاليًّا، يبلغ امتلاؤها 60٪ فقط. وبسبب الحر القياسي الذي تشهده القارة، أوروبا في حاجة إلى مزيد من موارد الطاقة. وإذا لم يتم ملء مرافق الغاز التابعة للاتحاد الأوروبي، فسوف تتوقف المؤسسات الصناعية في المنطقة عن العمل في فصل الشتاء.
وعليه فقد انخفضت شحنات الغاز عبر خط الأنابيب “نورد ستريم” إلى حوالي 20% من سعته حسب بيانات الهيئة الألمانية المشغلة، مما يعزز خطر حدوث نقص هذا الشتاء في أوروبا، وكشفت الهيئة المشغلة “غاسكاد” إن نحو 14.4 غيغاواتا/ساعة من شحنات الغاز الروسي تصل إلى ألمانيا منذ الساعة التاسعة (7.00 ت غ) مقارنة بنحو 29 غيغاواتا/ساعة في المتوسط في الأيام الأخيرة.

وكانت المجموعة الروسية للطاقة “غازبروم” قد أعلنت عن هذا الانخفاض الحاد الجديد في حجم الشحنات الذي يأتي في أجواء أزمة الطاقة بين موسكو والغرب منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا. كما أعلنت بدورها مجموعة إيني الإيطالية أن غازبروم أبلغتها أن شحنات الغاز ستكون محددة بـ27 مليون متر مكعب في مقابل 34 مليونا “في الأيام الأخيرة”.

وقبل الحرب في أوكرانيا، كان خط “نورد ستريم” ينقل حوالى 73 غيغاواتا في الساعة لتزويد ألمانيا -التي تعتمد خصوصا على الغاز الروسي- وكذلك الدول الأوروبية الأخرى عبر الخط الذي يمر تحت بحر البلطيق، إلاَّ أن الإمدادات هبطت إلى 40% عن المعدل الطبيعي بحلول منتصف يونيو/حزيران قبل إغلاق الخط بشكل كامل لمدة 10 أيام لأعمال الصيانة السنوية بين 11 و21 يوليو/تموز. ومنذ ذلك الحين استؤنف تدفق الغاز.

بدورها أعلنت هيئة الإحصاء الروسية “روستات”، عن ارتفاع إنتاج النفط والمكثفات في روسيا في شهر حزيران/يونيو بنسبة 1.5% مقارنةً بشهر أيار/مايو، إلى 43.8 مليون طن، وارتفع المتوسط اليومي بالبرميل بنسبة 4.9% إلى 10.702 مليون.

وجاء في تقرير الهيئة: “ارتفع إنتاج النفط ومكثفات الغاز في شهر حزيران/ يونيو 2022 بنسبة 2.7% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، ليبلع 43.8 مليون طنًا. ومقارنة بشهر أيار/مايو من العام الجاري، فقد ارتفع الإنتاج بنسبة 1.5%. في النصف الأول من عام 2022، وتمّ إنتاج 263 مليون طن، بزيادة نسبتها 3.3% عن الفترة من كانون الثاني/ يناير إلى حزيران/يونيو 2021”.

يترتب على ذلك أن متوسط الإنتاج اليومي للنفط والمكثفات في روسيا في شهر حزيران/ يونيو بلغ حوالي 10.702 ملايين برميل يوميًا (باستخدام معامل تحويل 7.33 للهيدروكربونات السائلة)، وفي شهر أيار/مايو بلغ 10.203 ملايين برميل يوميًا. وبالتالي، فقد ارتفع الإنتاج في شهر حزيران/يونيو بمقدار 499 ألف برميل يوميًا، أو بنسبة 4.9%.

وذكرت “روستات” أنه تم إنتاج 40.7 مليون طن من النفط بدون مكثفات الغاز، بزيادة 2.3% عن يونيو 2021 ومايو 2022. في المتوسط اليومي بالبراميل، كان الرقم 9.809 ملايين (باستخدام درجة 7.23 للنفط).
وشدّدت موسكو مرارًا على أنّ “تقييد عمليات التوريد، يعود سببه فقط إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، التي تسببت في مشاكل في إصلاح وحدات ضخ الغاز”.

وفي محاولة لمنع حصول نقص هذا الشتاء، وافقت الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أمس، على خطة تنص على قيام كل دولة “بكل ما هو ممكن” لخفض استهلاكها للغاز بين آب/أغسطس 2022 وآذار/مارس 2023 بنسبة لا تقل عن 15% بالمقارنة مع معدل السنوات الخمس الماضية خلال الفترة نفسها.
وكانت روسيا تؤمن حوالي 40% من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز حتى العام الماضي.

اساسيالمانياالنفطاوروباروسيا