الموقف الإيراني الحقيقي من “اسرائيل” ومن اليهود

مصدق بور* – خاص الناشر |

قبل الدخول في صلب الموضوع والاجابة عن التساؤلات اعلاه لا بد من الاشارة الى مقال نشرته صحيفة هآرتس الاسرائيلية، وهي تمثل خطًّا معتدلًا. فتحت عنوان: “حان الوقت لأن تصبح “إسرائيل” دولة طبيعية” أكدت الصحيفة في مقال جديد لها بقلم جدعون ليفي: “ما دامت “إسرائيل” تحافظ على عقلية “مسموح لنا أن نفعل أي شيء” و”لسنا كأي دولة أخرى”، يبدو من غير المرجح التحول الی دولة طبيعية”. وأضاف المقال: “أن نصبح دولة طبيعية يمكن أن يكون خيارًا جيدًا لـ”إسرائيل” (الکیان الصهيوني). يمكننا مثلًا أن نبدأ بسياسة هجرة عادية، كما هو معتاد في أي بلد عادي. لکن انتقادات فلاديمير بوتين للوکالات الیهودیة وتحذیراته لها بوقف أنشطتها التخريبية ضد بلاده، تُظهر أنه لا يزال أمامنا طريق طويل وصعب لتحقيق التطبيع الحقيقي”.

باعتقادي یمکن أن تتحول ما تسمى “إسرائيل” الی دولة عادیة ولکن لیس باسم “اسرائیل” ولا علی شاکلة دولة تحکمها العصابات الصهیونیة، وانما بعد انهاء نظام التمییز العنصري وتنفيذ خطة الاستفتاء التي طرحها قائد الثورة الاسلامية السيد علي الخامنئي غير مرة، كمشروع يمكّن الشعب الفلسطيني (بمسلمیه ومسیحيیه ویهوده) من تقرير مصيره، وكحلٍّ عمليًّ وعادل للقضية الفلسطينية التي لا تزال عالقة في ضمير العالم بعد حوالي سبعة عقود، أقل ما يقال عنها إنها الأكثر دموية.

إذًا، فما هي الخلفية القانونية والتاريخية والسياسية لحق تقرير المصير؟ وما هي الخطة التي طرحها الإمام الخامنئي بشأن فلسطين؟

يأتي حق تقریر المصیر ضمن حملة إنهاء وتصفية الاستعمار، إذ إن تقرير المصير يولد في بيئة إقليم خاضع للاستعمار أو الاحتلال أو تحت وصاية وإدارة سلطة أجنبية دون رضا شعب تلك الأرض، مما يستوجب الكفاح المسلَّح والمقاومة من قِبَل شعب يعاني التهميش سياسيًا واقتصاديًا إضافةً للهيمنة الثقافية.
إن حق تقرير المصير هو حق مكفول للشعوب المضطهدة، وقد نص عليه ميثاق الأمم المتحدة كحق أصيل وفق المادة 55 عام 1948، وهو حقٌّ إنساني غير قابل للمقايضة أو التخلي.

خطة السيد الخامنئي لتقرير المصير في فلسطين
قال الإمام الخامنئي في يوم القدس بتاريخ 07/05/2021:
“إنّ منطق النضال الفلسطيني وإجراء استفتاء عام في فلسطين لتحديد النظام السياسي للبلد وسجّلته الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية في وثائق الأمم المتحدةِ هو منطقٌ راقٍ وتقدّمي بموجبه یتم إجراء استفتاء بين السُكّان الأصليين لفلسطين لتعیین النظام السياسي للبلد، ويُشارك فيه السكان الأصليّون، من كلِ القوميّات والأديان، مسلمین ومسیحیین ویهودًا، ومنهم المشردون الفلسطينيون، علی ان یعید النظام الجديد المُشردين إلى الداخل ويَبُتُّ في مصير الأجانب المستوطنين. إنّ هذا المشروع يقوم على قاعدة الديمقراطيّة الرائجة المعتَرَف بها في العالم، ولا يستطيع أحد أن يُشكّك في رقيّه ونَجاعته، وفي حال عدم استجابة المتحكمين الحاليين باليهود في فلسطين فمن حق المُجاهدین الفلسطينيین أن يواصلوا باقتدارٍ نضالَهم المشروعَ والأخلاقي ومقاومتهم ضدّ الكيان الغاصب حتّى يرضَخَ هذا الكيان لقبول هذا الاستحقاق”.

رغم الصعوبات الجدية التي يتسم بها تطبيق هذا الطرح، من ناحية انعدام الثقة بكيان الاحتلال، والعديد من الاعتبارات الإقليمية والدولية، الا أن تنفيذه يبقى امرًا منطقيًا وغير مستحيل، فهو أولًا تطبيق لمفهوم الديموقراطية، وثانيًا يأتي في سياق سحب الذرائع من يد “إسرائيل” وداعميها في العالم.

تقدمت الجمهورية الاسلامية بهذه الخطة رسميًا للأمم المتحدة عام 2019، والتي تضمنت الهدف منها، والقاعدة الحقوقية لها، ومراحل وآليات التنفيذ. ورغم وجود تجاهل لهذا الطرح في الوقت الراهن، لكن مع تعاظم قوى المقاومة في المنطقة، وتضاؤل قوة ووهن “اسرائیل”، قد یجد الاسرائیلیون انفسهم خلال السنوات القادمة في مأزق وجودي بدأت ملامحه ترتسم في المنطقة، وقد تجد بهذا الطرح منفذًا عمليًا يشكل نهاية أقل مأساوية لها.

ایران تضع فرقًا بین الیهودية کدیانة سماویة وبین الصهیونیة کحرکة استعماریة احتلالیة وغدة توسعیة. وبالتالي إن نوع تعاملها مع اليهود في فلسطين يختلف عن تعاملها مع الصهاينة الدمويين الذين خدعوا حتى اليهود في العالم باقامة دولتهم الموعودة على ارض فلسطين، وبالتالي لم تشرّد هذه الطغمة الفلسطينيين من ديارهم فحسب وانما شردت ايضًا اليهود من مواطنهم الآمنة في انحاء العالم. والفلسطيني وإن كان مشردًا لكنه لجأ الى اراض عربية هي ايضًا تابعة له ترابًا وهوية لكن اليهود وضعهم يختلف.

بدأت حركة التمرد اليهودية على الصهيونية منذ عدة عقود وتتصاعد اليوم موجة هذه الحركة حتى في الداخل الاسرائيلي، وحتى داخل اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة والدول الغربية. والكل بدأ يشعر بالذل والهوان والاحتقار وبأنه اصبح عبئًا على هذه الدول التي اسست هذه الغدة السرطانية لتحقيق اهداف وغايات استعمارية دنيئة. وإن حرب روسيا اليوم على “اسرائيل” تعطي قوة دفع كبيرة لليهود خاصة في “اسرائيل” للانفصال عن الصهيونية. واذا كان اليهودي يحلم اليوم بالعودة الى أوطانه السابقة في الدول العربية فإن مرد ذلك هو توصله الى هذه القناعة بأن “إسرائيل” ليست وطنا للمّ الشتات وانما لتشريد اليهود من حياتهم الآمنة وما يسمونه بالعهد الجميل.

ايران ليست ضد اليهود في فلسطين المحتلة وفي العالم، وتضم بين نسيجها المجتمعي المكوِّنَ اليهودي ايضًا الذي يتمتع بنفس حق المواطنة الذي يتمتع به كل الايرانيين الآخرين.

*كاتب وباحث إيراني

اساسياسرائيلاليهودايرانفلسطين