هاني العبندي* – خاص الناشر |
الكتابة عن الموت لا تزال واقعة بين الهروب عنه والصورة التراثية البشرية الميتافيزيقية بكل أبعادها المتعددة. ثمة ما دفعني للكتابة عن هذا الأمر وهو ما أشاهده من انعكاسات على حياة البشر الأخلاقية، وهذا ما يُفسر عدم الاكتراث بالقيمة الذاتية على أكثر من صعيد، مما جعل الكثيرين في حالة غرق لحظي مُشبعة بالنَّشْوَةِ لا يستطيعون استحضار ما سبقها ولا يُدركون ما بعدها، هي أقرب لحالة تجمد إدراكية للعقل تعني انتفاء الإنسانية باعتبارها مِيزة دون المخلوقات الأخرى.
إن لم يُنظر إلى الموت كرسالة حياة إلى البشرية، إذًا، سوف تستمر حالة الضياع القيمي مما يدفع لمزيد من الامتهان لكرامة الإنسان. أكثر من عقدين من الزمن والموت سؤال يُرافقني ويتشكل تارةً عن ماهيته وأحيانًا عن الآثار التي يُلقي بها على حياة الإنسان. وفيما يعتقد أتباع الديانات أن الموت طريقٌ نحو الأبدية ليقسم الناس بين أهل الجنة والنار، فإن لبعض المدارس الدينية لها تفسيراتها المُختلفة. لا تكمن أهمية هذه الاعتقادات فقط في نتائجها النهائية، بل تتجاوز آثارها على واقع الإنسان. ولأن رسالة الموت لا تُقرأ أو لم تُقرأ كما ينبغي، فهو يفترض أن يهبنا القدر الكافي على فعل الخير ليس انطلاقًا فقط لتحقيق مبدأ الثواب والعقاب في المعتقدات الدينية وحسب، بل هو تجسيد حقيقي لجوهر رسالة الأديان. وبالرغمِ مما يُمارس من تناقضات بين الرسالة الأخلاقية و فلسفاتها إلا أن أخطر ما يمكن أن يُضعف فهم رسالة الموت هو ذبح الضمير برصاصات الحُرية المُزيفة أو تخديره عبر منتجات الرأسمالية، حينها يُصبح انتهاء حياة إنسان واحد أو مليون من البشر سيان وهذا ما يُفسر غياب التعاطف كحالة اجتماعية بشرية محلية أو عالمية إلا ما ندر.
إن رسالة الموت تفترض أن تُساهم في انصهار النرجسية المُطلقة التي هي نقيض أخلاقي، إلا أنها قد تكون حالة اضطراب نفسي. وهنا ينبغي أن يخضع المصاب للعلاج، وهذا أمر لسنا في موضع الحديث عنه. ويمكن ملاحظة النرجسية كسلوك وبشكل جلي في المجتمعات الغربية بسب تأثير الفلسفة الفردانية بالإضافة إلى أننا نعيش في عصر سقوط مفهوم المنظومة الأسرية وإدخال مفاهيم سوف تُفاقم من مستوى النرجسية كمًا وكيفًا، وعلى سبيل المثال لا الحصر أن يُباح بصورة قانونية أو بالتبني أو عبر البنك المنوي كما هو في المجتمع الأمريكي من أجل إيجاد أطفال عند الشواذ جنسيًا ويُراد تسويق هذا الفعل بِوصفه أسرة مُكتملة الأركان، كما تم سابقًا تحريف مفهوم الزواج.
أجد من الضروري أن نُقيم المآلات التي تحملها رسالة الموت؛ فهو إن كان عبورًا مؤجلًا لنا نحن الأحياء، فإنه قد يصبح أكثر أهمية من كل ذلك إذا أقمنا قيمة الرسالة وحافظنا على حياة الضمير ليعطينا عمرًا آخر عبر الأعمال التي لن ينساها الأحياء حينما يتوقف نبض قلوبنا.
*صحفي سعودي