بعد مرور نحو عامين على انطلاق قطار “التطبيع العربي – الإسرائيلي”، بنسخته المتجددة، برعاية الإدارة الأميركية السابقة، يبدو، ومن خلال تتبع مسارات “التطبيع” بين الرياض وتل أبيب، أن تلك المسارات تنحو في أكثر من اتجاه، وبسرعات متفاوتة.
“الأمن أولًا”: ما خفي أعظم
فعلى الصعيد الأمني، شهد العقد الأخير قفزات نوعية في مستويات التعاون بين الجانبين على هذا الصعيد، مدفوعًا على نحو خاص بالتطورات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. ويحدث أن يطفو على السطح بعض من قمة جبل جليد هذا “التطبيع”، تارة عبر تسريبات عن اجتماعات سرية ذات طابع عسكري وأمني، على غرار ما أشيع عن اجتماع عُقد في شرم الشيخ في شهر آذار/ مارس الماضي، وضم إلى رئيس الأركان “الإسرائيلي” آفيف كوخافي، رؤساء أركان جيوش عربية، من بينهم رئيس أركان الجيش السعودي، أو الزيارة التي قام بها مسؤول أمني “إسرائيلي” رفيع قبل أسابيع قليلة إلى الرياض لبحث وجهة نظر المسؤولين السعوديين إزاء ما تعتبره تل أبيب “العدو المشترك”، وهو إيران، إلى جانب نقل شروط “إسرائيلية” بخصوص ترتيبات أمنية وتدابير سياسية واقتصادية مطلوبة من الرياض، قبل السير في نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية في الأشهر المقبلة.
وليس بعيدًا من هذا السياق، ثمة من يشي بوجود تعاون استخباري ثنائي في عدد من ساحات المجابهة الإقليمية الكبرى التي تخوضها الرياض ضد النفوذ الإيراني، والتنظيمات المسلحة المحسوبة على “محور المقاومة”. ويصل الأمر أحيانًا إلى حد اهتمام السعوديين بشراء منتجات “إسرائيلية” مثل برمجيات بيغاسوس للتجسس، أو منظومات دفاع جوي صاروخية مثل “القبة الحديدية”.
العلاقات التجارية: رأس مال التطبيع!
وفي موازاة التطبيع الأمني “المستتر”، يسير تطبيع اقتصادي بخطى ثابتة وبصورة أكثر وضوحًا. ضمن هذا الإطار، يحتل خبر دخول مجموعة “سوفت بنك” اليابانية على خط الاستثمار في السوق “الإسرائيلية” حيزًا في مسار مشهد “التطبيع العربي الإسرائيلي”. وكما هو معلوم، فإن السعودية تستحوذ على نسبة هامة من أسهم الشركة اليابانية، ذلك أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي الحكومي يعد أكبر مساهم في صندوق “رؤية” التابع لـ “سوفت بنك” بـ45 مليار دولار، من إجمالي رأسماله البالغ مئة مليار دولار.
هذه الأرقام، لا شك أنها تعكس بشكل أو بآخر وجهة نظر استثمارية سعودية في الشكل، وسياسية في المضمون. فالشركة دخلت في الآونة الأخيرة على خط الاستثمار في شركات التكنولوجيا “الإسرائيلية”، بما في ذلك شركة AnyVision، المتخصّصة في تكنولوجيا التعرّف على الوجوه، والتي لها سوابق في تقديم “خدمات جليلة” للاحتلال في ملاحقة الناشطين الفلسطينيين، إضافة إلى e Toro المتخصصة في الاستثمار والعملات الرقمية، وشركة برامج الكومبيوتر Redis Labs. ووفق بعض التقديرات الغربية، فإن اتفاقيات التطبيع بين تل أبيب، من جهة، وبين المنامة وأبو ظبي من جهة ثانية، أسهمت في التعجيل بقرار الشركة اليابانية للاستثمار في الداخل “الإسرائيلي”.
وما يسترعي الانتباه في هذا الاتجاه نحو التطبيع “الملتبس” بجوانبه الأمنية والسياسية والاقتصادية المتداخلة، بين الرياض وتل أبيب، وطابعه العلني والخفي في آن، هو أن من سيتولى إدارة أعمال الشركة اليابانية في السوق “الإسرائيلي”، هو مدير جهاز “الموساد” السابق، يوسي كوهين. فمن المعروف أن الرجل هو أحد مهندسي اتفاقات التطبيع بين الإمارات و”إسرائيل”، وقد اكتسب خلال زيارات سرية متكررة إلى عواصم خليجية عدة، في فترة ما قبل الإعلان الرسمي عن “اتفاقات أبراهام”، روابط سياسية وشخصية متينة مع عدد من “بيوتات الحكم” في الخليج. كما أن كوهين، المقرّب جدًا من رئيس حكومة الاحتلال السابق، بنيامين نتنياهو، يعد أحد المرشحين لخلافته في زعامة “حزب الليكود”، ما يجعله “شريك سلام محتمل” للسعوديين في حال قررت الرياض أن تحذو أبو ظبي، والمنامة.
وحفاظًا على ماء وجه الموقف السعودي، تشير تقارير غربية إلى أن كوهين سيعمد إلى إدارة النشاط الاستثماري لصندوق “رؤية 1″، الذي تستحوذ كل من السعودية والإمارات على حصة وازنة منه، من خلف الكواليس.
وفي مؤشر على حجم الارتباط بين الشركة والمملكة، يشير بعض المحللين الاقتصاديين إلى أن “سوفت بنك” يتمتع بعلاقات وثيقة مع العائلة المالكة السعودية، ويصفونه بـ “الذراع الملتوية للاستثمارات السعودية في شركات التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة”. وفي هذا السياق، يفيد موقع “المونيتور” بأن تعيين كوهين، الذي سبق أن التقى مسؤولين سعوديين، أبرزهم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لإدارة استثمارات “سوفت بنك”، والتي تشمل بطبيعة الحال “صندوق رؤية”، داخل “إسرائيل”، أسهم في تهدئة مخاوف الرياض، رغم عدم وجود اتصال مباشر بينها وبين تل أبيب. وبحسب الموقع، “ربما يكون هذا هو الأسلوب السعودي للالتفاف على العائق الدبلوماسي القائم (المتصل بالقضية الفلسطينية) من أجل السير قدمًا في تأسيس روابط مع شركات التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة، وجني بعض عوائد تلك الروابط”.
“اتفاقات أبراهام” في ميزان الرأي العام السعودي
إجمالًا، يُمكن الجزم بأن “اتفاقات ابراهام” في العام 2020، بحلقاتها الخليجية البحرينية والإماراتية، مهّدت لقيام روابط اقتصادية وتجارية بين “إسرائيل” والسعودية. وإذا كانت المندرجات السياسية للتطبيع بين الرياض وتل أبيب تنتظر ظروفًا سياسية ملائمة لتنضج، قد تكون غير متوفرة في الوقت الراهن، إلا أن مندرجاته الاقتصادية تتوالى سريعًا بصورة أكثر صخبًا بعد العام 2020. قبل ذلك التاريخ، كان التعاون التجاري بينهما يجري في الخفاء، وبعيدًا عن الأضواء، وغالبًا عن طريق شركات ذات جنسية أوروبية، أو مسجّلة لدى طرف ثالث.
ومن منظور محللين غربيين، فإن القيادة السعودية بنت حماستها بالتوجه نحو الارتقاء بالتعاون الاقتصادي مع “إسرائيل”، إلى ردود الفعل الإيجابية التي لاقتها “اتفاقات أبراهام” لدى الجمهور السعودي، وإلى المنافع الاقتصادية المترتبة عن هذا النوع من التعاون، وهو ما دفعها إلى إعطاء موافقتها على السماح بعبور الطيران “الإسرائيلي” في أجوائها، ومن ثم السماح برحلات مباشرة بين السعودية والأراضي المحتلة تزامنًا مع زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الرياض، وذلك بأقل قدر ممكن من الضجيج، تلافيًا للوقوع في الإحراج المترتب عن هكذا قرارات.
وبحسب مصادر سعودية، يمكن تلمس ملامح تلك المندرجات من خلال صفقات تجارية عُقدت مؤخرًا بين شركات من الجانبين، في ظل توافد العديد من رجال الأعمال في الأشهر الأخيرة، ممن يحملون جوازات سفر الدولة العبرية، والحاصلين على تأشيرات دخول خاصة إلى الأراضي السعودية، وقد تمت دعوتهم من قبل سعوديين بصفتهم مديرين أو ممثلين منتدبين عن شركات “إسرائيلية”. وبطبيعة الحال، فإن السفر إلى المملكة لم يكن متاحًا لـ “الإسرائيليين” قبل إلغاء الحظر الكامل بحقهم من قبل السلطات السعودية، وتخفيف شروط حصولهم على “فيزا” الدولة الخليجية.
وعلى المنوال عينه، يكشف مصدر سعودي رفيع، مقرّب من وزارة الخارجية، عن تزايد عدد مواطني المملكة الراغبين في استقدام شخصيات من قطاع الأعمال “الإسرائيلي”، على وقع تنامي اهتمام الرياض وتعطّشها، بصورة متزايدة، للحصول على منتجات تكنولوجية “إسرائيلية”، بخاصة في مجال الأمن، والتقنيات الزراعية. ويشدّد المصدر السعودي على أن “حكومة بلاده تضع نصب عينيها الفرص الكامنة (خلف التطبيع)”، لافتًا إلى أن “هذه التطلعات تتناسب مع الخطط والإصلاحات الواسعة التي طرحها ولي العهد”، في إشارة إلى المبادرة الطموحة لابن سلمان، المسماة “رؤية 2030”.
وعلى العموم، يمكن القول إنه في الحالة السعودية، وخلافًا للحالة الإماراتية، يتم التعاون التجاري بين الرياض وتل أبيب عن طريق القطاع الخاص، وليس عبر الشركات الحكومية أو الرسمية.
وفي سياق تقدير ملاءمة هذا المسار التطبيعي لاتجاهات الرأي العام السعودي، وانسجامه مع تطلعات الشارع السعودي في ما يخص آفاق “اتفاقات أبراهام”، كشف استطلاع حديث للرأي، أجراه معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في آذار/ مارس الفائت أن أكثر من ثلثي السعوديين ينظرون إلى “اتفاقات أبراهام” بشكل غير إيجابي. وبمقارنة بسيطة، فقد حظيت تلك الاتفاقات بتأييد ما نسبته 40 في المئة من الشارع السعودي في الأشهر التي تلت الإعلان عنها، فيما تراوحت تلك النسبة وفق استطلاع المعهد الأميركي بين 19 في المئة و25 في المئة في أحسن الأحوال.
ما الذي تغير في المنطقة والعالم؟
في لحظة التوقيع على “اتفاقات أبراهام”، في أواخر العام 2020، بدا للوهلة الأولى أن حكومة بنيامين نتنياهو، وبدعم لا محدود من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب نجحت في كسر “الفيتو الفلسطيني المزمن” على أي عملية “تطبيع” بين العرب ودولة الاحتلال، وترسيخ تهميش دور السلطة الفلسطينية. وبدا أيضًا أن قطار التطبيع قد انطلق أخيرًا بلا هوادة ليأخذ في طريقه المزيد من المطبّعين. وفجأة، تلاشت أحلام المراهنين على مدى خمسين عامًا على ما يصفه البعض بـ “اليسار الإسرائيلي” المؤيد لـ “حل الدولتين”، لصالح خيار “الدولة اليهودية” الذي تبناه نتنياهو، وهو خيار مرادف لدفن آخر الآمال بـ “دولة فلسطينية” في حدودها الدنيا من الأرض المحتلة. اليوم، وعلى أعتاب الذكرى الثانية لتلك الاتفاقات، يبدو المشهد مغايرًا، فقد تغير المناخ العام في المنطقة، وتغير معه الرئيس الأميركي، ورئيس حكومة الاحتلال. وحده رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بقي أحد عناصر المشهد الرتيب، مع فارق أن الإدارة الأميركية الجديدة أعادت وصل بعض ما انقطع خلال عهد الإدارة السابقة، على المستويين الدبلوماسي والإنساني، مع عودة الحرارة السياسية على خط رام الله- واشنطن. وكجزء من النتائج المترتبة على دفع إدارة الرئيس “الديمقراطي” جو بايدن نحو إعادة إحياء مسار المفاوضات بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، عادت دائرة لقاءات الرئيس عباس بمسؤولين “إسرائيليين” إلى الدوران حين التقى في آب/ أغسطس الماضي وزير أمن العدو، ورئيس “حزب أزرق أبيض” بني غانتس، قبل أن يجتمع في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بوفد من وزراء “حزب ميريتس” المحسوب على “اليسار الإسرائيلي”، لتكون الخلاصة عودة التداول بـ “حل الدولتين”، وهو ما يعني عدم إمكانية الرهان حاليًا على تهميش “المسار الفلسطيني- الإسرائيلي” مجددًا في أي مبادرات عربية مقبلة رامية إلى التقارب مع “إسرائيل”. وهو بالضبط، ما تدركه السعودية، ويجعلها مضطرة إلى انتظار المبادرات الأميركية الجديدة، وماذا يمكن للجانب “الإسرائيلي” أن يقدمه على هذا الصعيد، مقابل “التطبيع”.
ماذا عن تداعيات “سيف القدس”؟
وفضلًا عن الرغبة الأميركية المتجددة بـ “حل الدولتين”، وما أسفرت عنه لناحية تثبيت مقولة أن “حل الصراع العربي الإسرائيلي يمر عبر الفلسطينيين”، تبدو الرياض أقل حماسة لتدشين علاقات سياسية مع تل أبيب، بعد معركة “سيف القدس”. فالعدوان الأخير على غزة، والذي جاء على خلفية رفض فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة مشهد الاستباحة المتكررة للمستوطنين لساحات المسجد الأقصى، بما يمثله من رمزية دينية وروحية على مستوى العالم الإسلامي، أبرز للشعوب العربية عدم صحة الرهانات على أن تنسحب “اتفاقات السلام” مع دولة الاحتلال، على سلوك الأخيرة، كما أسهم في تضييق هامش المناورة لدى بعض الأنظمة العربية، لا سيما تلك التي التحقت بـ “مسار أبراهام”، أو تلك التي عملت على تأييده دون السير فيه.
الثابت أن عملية “سيف القدس” لم تمهل الأطراف الراعية والمشاركة في “اتفاقات أبراهام” طويلًا لترسيخ “المنطق الذرائعي” الذي تسوقه بشأن العلاقات العربية “الإسرائيلية”. فقد تسببت العملية بإحراج مزدوج لكل من “إسرائيل” والدول العربية المطبعة معها حديثًا، من جهة، وفي إعادة الاعتبار لدور المقاومة الفلسطينية في فرض خياراتها على طاولة النقاش الدائر حول مستقبل نظرة الحكومات والجمهور العربي على حد سواء تجاه “إسرائيل،” من جهة ثانية. واقع الأمر، أن قطاعًا واسعًا من ذلك الجمهور، وخلال الأشهر الأولى اللاحقة لموجة “التطبيع” المستجد، بدا مقتنعًا بتلك الموجة. ولا يمكن انكار أن الأمر يحمل دلالات على تأثر الرأي العام العربي بما يروج له به بعض الإعلام العربي حول “مزايا” التقارب مع دولة الاحتلال، بخاصة على المستويات الاقتصادية والتكنولوجية، تزامنًا مع حملات ممنهجة لإقحام الدراما العربية، وبعض الوجوه من الفنانين والمشاهير في الوطن العربي في “بازار التطبيع”، تحت شعارات من قبيل “السلام”، و”التعايش بين الأديان”، وهي شعارات تعكس قدرًا من الخفة والسذاجة في مقاربة مسألة الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي العربية. أما بعد معركة “سيف القدس”، فقد انقلبت آية الواقع السياسي الإقليمي من جديد، وعادت شاشات التلفزة إلى دورها المعهود في توثيق جولة جديدة من العنف “الإسرائيلي” بحق الفلسطينيين.
ضمن هذا السياق، ترى صحيفة “نيويورك تايمز” أن العدوان “الإسرائيلي” الأخير على غزة، أوجد “ضغطًا كبيرًا” على الدول المحسوبة على “معسكر السلام مع “إسرائيل””، خاصة الإمارات والبحرين، وهو معسكر حاول تسويق فكرة أن إقامة العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب، ستساعد في كبح جماح انتهاكاتها بحق الفلسطينيين، مشيرة إلى صعوبة تجاهل تلك الدول إدانة السياسات “الإسرائيلية” في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا سيما في القدس. “فمعظم الحكومات العربية السنية تمقت حركة حماس، إلا أن الرسالة السياسية المدوية التي أطلقتها الأخيرة خلال دفاعها عن القدس والمسجد الأقصى لعبت على وتر عاطفي حسّاس (لشعوب تلك الحكومات)، ذلك أن قضية غزة شيء، وقضية القدس شيء آخر تمامًا بالنظر إلى أهميتها (الروحية والدينية) من منظور جامعة الدول العربية، والأطراف المعنيين بملف القدس، كالسعوديين، والأردنيين، الذين يملكون حق الوصاية على المقدسات الإسلامية”، على حد قول مدير برنامج فلسطين في “معهد الشرق الأوسط” للدراسات السياسية خالد الجندي. بدوره، رأى البروفسور في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، أوفير وينتر، أن “حركة حماس أبلت بلاءً حسنًا في استراتيجيتها الإعلامية، بحيث تمكنت من إيصال رسالتها بنجاح (كمدافع عن القدس)، بصورة ألزمت الدول العربية بالتعامل وفق التفسير الذي اعتمدته الحركة” لجولة التصعيد مع “إسرائيل” في أيار/ مايو من العام الماضي. ووفق مراقبين، فإن الحكومات العربية المنضوية في “معسكر السلام”، ورغم قمعها التيارات والنشاطات المناهضة لـ “التطبيع”، تبدو مضطرة إلى أن تتماشى إلى حد ما مع ردود الأفعال على المستوى الشعبي حين يتعلق الأمر بالوضع في القدس، خشية تحوّل وجهة الاعتراضات الجماهيرية ضد دولة الاحتلال، إلى احتجاجات شعبية ضدها. يجادل هؤلاء بأن الدول الموقعة على “اتفاقات أبراهام” مع تل أبيب، كانت تتصور أن لها نافذة تأثيرًا على السياسات “الإسرائيلية”، لا سيما في ملفات الاستيطان، والقدس، معتبرة أن الجانب “الإسرائيلي” لن يرغب في تخريب تلك الاتفاقات، قبل أن يتبين لها أن “الإسرائيليين” باتوا يحظون بغطاء عربي أوسع لمواصلة انتهاكاتهم ضد الفلسطينيين.
“التطبيع السياسي”: الورقة الرابحة الأخيرة لابن سلمان
هذا، وتحتفظ السعودية بورقة “التطبيع السياسي” مع الجانب “الإسرائيلي” على أمل توظيفه بهدف حصد مكتسبات في ملف العلاقة مع واشنطن. ورغم أن السعودية لا تمانع ضمنيًا تلبية المطالب الأميركية بالالتحاق بركب المطبعين، من جيرانها الخليجيين، كونها هي من دفعت البحرين، التي تعد حليفتها الأوثق، إلى السير في هذا الاتجاه، إضافة إلى مشاركتها مطلع العام الجاري في “التمرين البحري الدولي”، وهي أضخم مناورات عسكرية تجريها البحرية الأميركية في منطقة خليج عمان، شاركت فيها “إسرائيل” إلى جانب نحو ستين دولة هذا العام، إلا أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أبلغ مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان لدى لقائه في مدينة “نيوم” الواقعة على البحر الأحمر في أيلول/ سبتمبر الماضي بجملة مطالب سعودية من بينها تحسين واقع العلاقات السعودية- الأميركية وفقًا لما تشتهيه المملكة. وتحيل المواقف الرسمية للمملكة إلى مبادرة السلام العربية، التي أطلقها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، في العام 2002، والتي تقوم على اعتراف الدول العربية بـ “إسرائيل” بشرط موافقتها على قيام دولة فلسطينية، وانسحابها من الأراضي العربية المحتلة عام 1967. وبالعودة إلى ما أتت على ذكره صحيفة “وول ستريت جورنال”، من أن الإدارة الأميركية السابقة كانت قريبة من ضمان موافقة ابن سلمان على السير في إقامة “علاقات دبلوماسية” مع تل أبيب، قبل أن يعدل عن رأيه بغية توظيف هذا الملف في ترتيب علاقاته مع إدارة الرئيس جو بايدن، يمكن القول إن ولي العهد السعودي يرغب بحسم ملف خلافة والده على العرش، والحصول على اعتراف أميركي بـ “شرعيته”، لقطع الطريق على مناوئيه داخل أروقة القصر السعودي، ولدرء أية مستجدات غير سارة قد تطرأ في حال وفاة الملك سلمان.