مجاهدون يعرفهم تراب هذه الأرض، وتحفظ تلال ووديان جبل عامل صدى صيحاتهم، شهداء ضمت السماء أرواحهم بعد أن لامست جباههم، حسينيون، من مدرسة كربلاء كانت انطلاقتهم، موسويّون على خطى سيد شهداء المقاومة مضت خطاهم، عماديون كما عمادهم، أعاروا لله جماجمهم فكانت أرواحهم خيوط نصر معلقة بين السماء والأرض.
حياةٌ خطّت بالعلم والجهاد
رسم حياته كما أراد الله، فكانت خاتمته شهادة للقاء الله. شاب بعمر ورود حقول الجنوب، زيّن أيامه بألوان الحب والتقوى، ووقّع شهادته بحبر الدم وعبق الريحان. طالب علم وجهاد، كتب السطور الأولى من حياته بالإيمان والتدين وحسن الخلق، وأتبعها بالعلم والثقافة والتفوق. عرف أن الشهادة هي ثقافة الحياة فعلّم الأجيال من بعده كيف يصنعون مجد العلم والشهادة. بذكائه وتفوقه تميز الأستاذ الشهيد بشير علوية، ورغم صغر سنه استطاع تحصيل شهادتين علميتين مهمتين، حيث تخرج من كلية الهندسة فرع المعلوماتية في الجامعة اللبنانية بجدارة، ثم التحق بجامعة “هواي” ليدرس اختصاص ” التصميم الزخرفي” الذي كان يعشقه.
بالإضافة إلى ذلك، اتصف الشهيد بشير بهدوئه ورصانته في منزل والديه، وأماكن عمله وتدريسه ومع رفاقه، حيث كان نموذجًا للشاب المتعلم المؤمن المقاوم الذي سعى الى الاستفادة من العلم والإفادة منه.
بين تموز وآب 2006: بشائر شهادة ونصر
في بلدة “البياضة” الجنوبية كان الموعد الأخير، حيث كانت بشائر اللقاء بالحبيب الأعلى قد حطّت رحالها. وحيدًا وقف هناك، وبنداء “يا علي” تقدم وهاجم وتصدى، بقلب لا يخشى الموت ولا الخوف، بعزم حسيني وبشجاعة عباسية، بعد أن قارع العدو لشهر كامل، غير آبه بالمخاطر.
حصل ذلك في السادس من آب، بينما كان الشهيد بشير يرابط وحيدًا في “دشمته” في البياضة، اقتربت منه وحدة مظلية صهيونية حتى باتت على مرمى حجر منه. اتصل بالقيادة ليبلغها أنه في مكان والعدو يدنو منه. تركت القيادة له تشخيص الموقف وخيرته بين الانسحاب والمواجهة، ولكنه اختار الطريق الأقرب للجنّة، فتقدم بنداء “يا علي” ورمى الوحدة بنيرانه فأردى ضابطها قتيلًا وترك عددًا من الجرحى في صفوفهم قبل أن يستشهد على بعد 50 مترًا من “دشمته” مسلمًا الروح لبارئها.
التحق الشهيد بشير بركب من سبقه من الشهداء، فكانت شهادته ومن معه من المقاومين بشارة نصر إلهي جديد، وقدوة لأجيال لحقت بهم فيما بعد، بعد أن اعتنقت خط الجهاد والمقاومة والشهادة. وعند كل ذكرى وكل نصر، تتعمق فينا أكثر وأكثر عقيدة أن شهادءنا هم عظماؤنا، ومجد تاريخنا ومنارة حاضرنا ومستقبلنا، فهنيئًا لهم عند الله مقامهم وهنيئًا لنا ولأحرار العالم بهم.