“الديمقراطية المدجّجة بالسلاح” (4/3): جرائم القتل الجماعي

مع اتساع الهوة داخل المجتمع الأميركي بشأن الموقف من الحقوق الدستورية في حمل السلاح، يرى أنصار الفريق الذي يصنف نفسه “مدافعًا عن تلك الحقوق”، أن الحل الأنسب لمعضلة العنف في الولايات المتحدة لا يجب أن يقوم على التشدد في إقرار قوانين حيازة الأسلحة الفردية، لا سيما وأنهم يرونه مخالفًا للدستور، بل يقوم من منظورهم على تحسين الإجراءات الأمنية في المدارس، من قبيل زيادة عديد عناصر الشرطة المولجين بحماية كل مدرسة، إضافة إلى تحصين أسوراها، وتشديد إجراءات الدخول إليها عبر مدخل واحد. كذلك، يصوّب هؤلاء على أن المشكلة الحقيقية الكامنة خلف بروز ظاهرة هجمات العنف الجماعي في الداخل الأميركي، تتمحور حول أسباب الاعتلال النفسي والعقلي لمنفذي تلك الحوادث. فمن جهته يشير رئيس “الجمعية الوطنية للبنادق” واين لابيير إلى أن “التصدي لمجرم مسلّح، لا يتم إلا عبر مواطن صالح مسلّح (أو شرطي مسلّح)”، وهو رأي يردده معظم الأصوات المؤيدة لحمل السلاح. يستند هذا الفريق في تدعيم حجته، إلى تقديرات رسمية تشير إلى أن 25 في المئة من المنفذين لأعمال العنف الجماعي في الولايات المتحدة، تم تشخيص إصابتهم بمرض عقلي، واضطرابات نفسية. وفي تقرير حديث، صادر عن Heritage Foundation، أكدت المنظمة الحقوقية أن “معظم الأفراد المصابين بأمراض عقلية ليست لديهم ميول عنفية”، خصوصًا إذا تم علاجهم. وأضاف التقرير، الذي جاء بعنوان: “الاضطراب العقلي، الأسلحة الفردية، والعنف”، أن “أنواعًا معينة من الاضطرابات العقلية الخطيرة تترافق مع احتمالات أكبر لدى الشخص المصاب، لارتكاب أعمال عنف”، موضحًا أن هذه الفئة من المرضى العقليين مسؤولة عن نسبة ملحوظة من حوادث إطلاق النار الجماعي داخل البلاد. من هذا المنطلق، تذهب مطالبات هذا الفريق إلى تخصيص المزيد من التمويل لمصلحة برامج الصحة النفسية، وهو ما تم لحظه مؤخرًا في “قانون الأسلحة” الجديد.

المزيد من الأسلحة لا يعني “أميركا أكثر أمنًا”
في المقابل، يرد ناشطون مناهضون لحمل الأسلحة على تلك المزاعم بالتشديد على الوتيرة المتصاعدة لحوادث العنف الداخلي. على هذا الأساس، يرى المؤرخ المتخصص في حوادث العنف في التاريخ الأميركي، آدم وينكلر، أنه “لو كان اقتناء الأسلحة سيجعل الأميركيين أكثر أمنًا، لكنا أصبحنا أكثر البلاد أمنًا على مستوى العالم”. وفي حين يستشهد أنصار الفريق المعارض لتشديد قواعد حيازة الأسلحة، بوقوع جرائم قتل جماعي داخل عدد من الولايات التي تتبنى قوانين متشددة في هذا المجال، كولاية شيكاغو، يرد أنصار الفريق المؤيد بالإشارة إلى أن الأسلحة المستخدمة في تلك الجرائم تم استقدامها من ولايات أخرى لا تتبنى قوانين متشددة في منح تراخيص حمل السلاح.

صراع ديمقراطي- جمهوري حول ملف حيازة الأسلحة
مؤخرًا، ومع توالي حوادث إطلاق النار في ايلينوي، وقبلها هجوم تكساس، وهو الهجوم المسلح السابع والعشرون الذي تتعرض له مدرسة في الولايات المتحدة منذ بداية هذه السنة، أعادت صور الضحايا وشهادات عائلاتهم الجدل بشأن تجدد الدعوات لتنظيم حمل السلاح بشكل أفضل بين المواطنين الأميركيين، فيما يقلل مراقبون من الآثار الملموسة لتلك الدعوات، في ظل عدم حماسة الكونغرس لتبني قانون وطني طموح لوضع حد لأعمال العنف داخل الولايات المتحدة، بالنظر إلى أن هذه القضية مثيرة للانقسام بين المعسكرين الجمهوري والديمقراطي، حيث يدعم الأخير بصورة عامة ضوابط أقوى في شراء السلاح، مقارنة بـ 24 بالمئة من الجمهوريين المؤيدين لهذه الضوابط.

هذا الصراع المجتمعي، في جوهره، والسياسي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في ظاهره، يشكل مرآة للنقاش المزمن حول القضية، داخل أروقة المؤسسات السياسية الأميركية بحيث تميل المؤسسة القضائية إلى الاتجاه المحافظ على التراث الدستوري والسياسي للبلاد مقابل المؤسسة التشريعية لا سيما أعضاء الكونغرس من المحسوبين على الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي الذين يميلون تاريخيًا إلى تحديث قوانين الأسلحة وتشديدها.

اساسي