د. أحمد الشامي – خاص الناشر |
عذراً من شاعر تونس الحبيبة، فما عاد صعود الجبال حكراً على الأبطال، ففي تلالها وجد الحياديون في لبنان ملاذاً يقيهم من صعوبة التحديات وتحمّل التبعات، وامتهان فنّ الانتظار لمن يؤول الانتصار، طمعاً بغنائم، وأملاً بغفلة تحيلهم من عبيد إلى أحرار.
والحُفر التي هي موطن الأموات، قد اتخذها المقاومون في لبنان مصانع للحياة، ومن أنفاقها ممرات، عبرت بهم إلى حيث النزال، وجهاً لوجه، في التحام مع العدوّ، وقد أمكنهم تجريده من آلته، مصدر تفوقه، فهزموه، أذلّوه، وأهانوه، فانكشفت حقيقة هويته، وهزال ثقافته.
وحين انهزم العدو بدا كم هو جبان، فانسلّ من المواجهة إلى ميدان يحترفه بإتقان، حيث راح يقبض على أمعاء اللبنانيين، حصاراً للقمة عيشهم، وسدّ منافذ النور لإطالة عتمة ليلهم، أملاً بأن يخرج المقاومون من بينهم براية بيضاء تعلن استسلامهم، وانهزامهم، ليعودوا إلى خنادقهم أمواتاً توارى سوأتهم.
إنّ الملاذ وسط الحصار، في الوعي كما الحكمة، لتحويل التهديد إلى فرصة، ففي ثقافة الشعوب المؤمنة أنّ من السماء الرزق، المدد، العون، وما توعدون، وبالتأكيد الذي لا يتنزّل من فوق، بمجرّد ابتهال وتوكل، بل بسعي على الأرض وفي باطنها، ليستخرج ما هو حق له.
تشير الدراسات، الى أنّ في أرضنا وبحرنا ثروة، التي ما إن نستخرجها حتى تحدث باقتصادنا، وحياتنا، ثورة، فتقينا شرّ العوز والحاجة، والتسوّل من جيوب الفجرة، وإهراق ماء وجوهنا على أعتاب لن يرمى من نوافذها إلاّ فتات يبقينا على وجه الحياة أمواتًا.
إنّ قدر العاشقين للكرامة في لبنان، صناعتها، من عزمهم، صبرهم، ولا يبخلون، بينما المتهيبون للحفر في باطن الأرض على التلال سيبقون، يتوسّلون الحجج والذرائع والمكائد، وغير آلام الحسد لا يجنون.