لا شكّ أنّ المرحلة اليوم هي مرحلة جديدة غير تلك التي كانت إبّان حرب تموز أو ما يعرف بحرب الـ”33 يومًا” لأنّنا نتكلم عن ستة عشر عامًا مضت، اختلفت فيها موازين القوى، هذا فضلًا عن تبدُّل الظروف في المنطقة خاصة أنّها شهدت تطورات إقليمية كبرى.
إذا عدنا إلى الوقائع التي نتجت عن تلك الحرب التي خرج منها الإسرائيلي محبطًا بإجماع خبرائه العسكريين، وبالنظر إلى المواد التي نشرت من أبحاث وتصاريح عقب الحرب، أجمع الخبراء على كون إخفاق الجيش الإسرائيلي هو أمرٌ واقعيّ لا فرار منه، رغم أنّ هذه الحرب لم تكن متكافئة على المستوى العسكريّ، فنحن نتكلم عن جيش كلاسيكي كان يصنّف بالأقوى في المنطقة، في قبالته حزب بمقدّرات متواضعة مقارنةً بما يملك “الجيش الذي لا يقهر”!
عنصر المفاجآت الذي امتلكه حزب الله كان يختصر بكفاءته وجهوزيته التامّة واللائقة، إضافة للعقل المبدع الذي وضع الأداء العام للجيش والاستخبارات وقادتهما غير المجربين على المحك. وكما هو معلوم إنّ تردّي الأداء الإسرائيلي في حرب تموز 2006 كان قد سبقه قبل ست سنوات الانسحاب الاضطراري (الأحادي الجانب) للجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 أمام حزب الله.
من الواضح أنّ الكيان منذ تأسيسه إلى اليوم هو كيانٌ قائمٌ على خلافات سياسية واجتماعية، إلا أنّ هذه الخلافات تفاقمت بشكلٍ كبير في السنوات الأخيرة التي سبقت الحرب، ما جعل هذا الكيان ليس فقط مهدّدًا بالهزائم العسكرية، بل هو عرضة للإزالة من الوجود أيضًا، فبين حرب أكتوبر 1973 وحرب تموز 2006 تشابه كبير في الفشل السياسي والعسكري للقادة في الكيان، إلا أنّ الفارق الجوهري هو في الطرف الذي يقف مقابل الكيان، ففي عام 1973 كانت الحرب مع جيوش كبيرة لها إمكانياتها، بينما في العام 2006 كان الطرف بحسب الخبراء الإسرائيليين مع “منظمة ليست بكبيرة”.
يقول أحد المؤرخين داخل الكيان المؤقت والزائل الصحافي توم سيغف إنّ الفشل في حرب 2006 لا يحتاج للجنة تحقيق في أسباب الفشل، بل لا بدّ من تشكيل لجنة من المؤرخين لفحص “كيفية انزلاق مجتمع بأكمله”. قضية انزلاق المجتمع الإسرائيلي هذه تتضمّن في داخلها الكثير من التفاصيل الشائكة من قبيل “مفهوم الأمن للكيان”، أو “قدرة سلاح الجو على حسم المعارك”، أو تلك المتعلقة بالشأن السياسي والانقسامات الداخلية، إضافة للتراجع الحاد لثقة المستوطن الإسرائيلي بجيشه.
لا شك أنّ هذه الحرب وانعكاساتها جعلت الكيان يشعر بنوعٍ من الاستفاقة من وهم القوّة العسكرية، خاصة مع تنامي قوة حزب الله وتطوره النوعي حينها، نتيجة لذلك أصبح الإسرائيلي يفكّر في استراتيجيات جديدة عقب هزيمة هذه الحرب، لأنّه يعلم أنّ في أيّ حرب مقبلة سيحتاج إلى قوّة مضاعفة لتحقيق النصر، وعليه حدّد أولوية إقامة “علاقات جديدة مع العالم العربي” أي ما عُرف لاحقًا بموجة التطبيع.
من الجدير بالذكر أنّ التراث الإسرائيلي الذي كان يتكلم عن “القضاء على الخصم بالضربة القاضية” بات يعلم أنّ من الوهم التكلّم بهذا المنطق، ولذلك انتقل إلى ثقافة تقدّس الاكتفاء بـ”صورة النصر” أو تحصيل النصر بالنقاط، إضافة إلى التركيز على خطّة “كيّ الوعي”، ولكن هل نجح العدوّ في تحقيق ذلك؟!
اليوم نرى أنّ حزب الله بات في مرحلة متفوقة على عدوّه الإسرائيلي كما أنّه حصّل صورة النصر، فضلًا عن النصر نفسه، إضافة لكيّ الوعي لدى المستوطن الإسرائيلي الذي لم يعد واثقًا بقيادته، ورغم ذلك يقوم اليوم رئيس أركان جيش الاحتلال “الفطحل” بإعادة رفع التوقعات لدى شعبه معيدًا إلى الخيال وهم القوة العسكرية والقدرة الهجومية.