كانت مناسبة ملائمة للتكلم بأمرٍ يرتبط بمسألة وجودية انسانية، وغير متعلقة حصرًا بالشيعة، وأن وجود هذا المخلص هو كالشمس الساطعة، حيث لا احد قادر على الادعاء بامتلاكها، حتى الشيعة المؤمنون بالقضية المهدوية، يقولون إن المخلص قادم لأجل الانسان، ليقضي على النزعات التعصبية، والطبقية، والفساد، والظلم، والتسافل، والتأطر، والانحطاط، والسرقة، واحتكار الثروات، والقتل، و…، وإنه سيُقدم خلاصة تجربة إنسانية فائقة السحر والجمال، مرضي عنها من قبل الحق تعالى، تجربة عالية وسامية واخلاقية وواقعية الى حد بعيد، تراعي متطلبات الانسان الروحية والنفسية والجسدية بشكلٍ متوازن بعيدًا عن التطرف أو المغالاة.
ليس المهدي لفئة محددة، وإن أبدت هذه الفئة استعدادها للعمل بين يديه طوعًا وحبًا وكرامة، وليست الشهادة الا استثناءً في دينامية هذه الحركة، وما ورود الكثير من تمنيات الاستشهاد في ادبياتها، الا دلالة على الحب والاخلاص في العمل حتى لو تطلب هذا الحب والاخلاص موتًا جميلًا، فيكون أحلى من العسل، لتبقى للانسانية فرصة تذوق هذه التجربة الالهية.
يأتي نشيد “سلام يا مهدي”، وإن كنت شخصيًا لست مع عبارة “يا وعدنا الصادق ويا صادق الوعد ..” ليس لعدم تناسبها والمقام بالتأكيد، بل لأنها تلتبس على المستمع في تحديد مَن المستهدف، حيث اقترنت بسماحة السيد حسن نصر الله، وقد كنت أفضّل أن نستخدم عبارة لا نكون ملزمين معها بالتوضيح لكل مؤشكل، حريصًا أو مبغضًا، ان الامام المهدي هو بالاصل الوعد الصادق وصادق الوعد، اما وقد انتشر النشيد، فيأتي ليرسخ فكرة المخلص ويعيد طرحها على المستوى العالمي في لحظة تاريخية مفصلية، تعيش فيها الانسانية اقسى ازماتها الفكرية والاخلاقية والامنية والمعيشية وغيرها من الصعد كافة، وليدعو الى تضافر الجهود لتشكيل جبهة موحدة تلتزم قيم الاله والانسان الصالح في مقارعة جبهة الفساد والإفساد، دون أن يمنع الانتماء الى الهويات المختلفة والثقافات المتعددة والاتجاهات المتنوعة، الانضواء تحت لواء هذه الراية، ودون ان يكون لأحدٍ حصة تملك او استحواذ لها، كما يحصل في الحركات الوضعية الاخرى.
“سلام يا مهدي”.. تجربة جميلة، تقول للإنسان إن المهدي لنا جميعًا، فالبشرية وصلت الى حافة الهاوية، فلا المصلحون قادرون على مسك زمام المبادرة وحسم المعركة، ولا المفسدون بأهلٍ لحكم البشرية بعد القضاء على المصلحين، ولن يستطيعوا. وفي خضم هذا الاشتباك القاسي ستتساقط الضحايا في جميع الجبهات، الاخلاقية، والاجتماعية، والتربوية، والجسدية، و…، دون أن تُحسم المعركة التي ستبقى تطحن في رحاها الكثيرين.
“سلام يا مهدي”، تجربة وُفقت لتثير مخاوف الامبراطور، فاستدعى كل آلياته وادواته ودُماه في كل الدول، ليحللوا قضية النشيد، حقدًا، وبغضًا، كرمى لهذا الامبراطور المتوجس من اي حركة تمرد جامعة للتنوع، تسحب البساط من تحت رجليه المتورمتين دمًا وجماجم، هؤلاء الدمى الذين باعوا انسانيتهم لأجل فتات سيتحول في امعائهم الى نتن، وعند قدوم ساعة الحقيقة سيبيعهم امبراطورهم بأي ثمن، وسيكون بخسًا على اي حال، ليفتدي حاله، ولات حين مناص.