الكيان المؤقّت والزائل أكثر تجمع مكروه بين شعوب العالم والمنطقة المحترمة، وواحد من أسوأ الأفكار التي أنتجها العقل البشري، الفكرة القائمة على إبادةِ شعبٍ بأكمله لإقامة تجمع خاص باليهود تحت كذبة “أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض”، وكأنّ الشعب الفلسطيني لا وجود له ولا حقوق له!
هذه الفكرة بكاملها تعادي الفطرة الإنسانية، فالإنسان السويّ في أيّ بقعة من هذه الأرض يعادي منطق الاعتداء على الآخرين والتسلّط عليهم بحكم العقل. هذه الفكرة التي عامَ عليها الكيان منذ نشأته، خلقت حوله كراهية شديدة، لا سيّما من قبل المستضعفين الذين يعانون من الظلم في هذا العالم المليء بالأفكار الصهيونية والاستكبارية. ثمّ إنّ الموقع الذي اتخذه هذا الكيان بين البلاد العربية جعله عرضةً للصراع مع القومية العربية التي تعتبر فلسطين جزءًا لا يتجزّأ من هويتها، هذا بالإضافة لظهور الإسلام الثوري الراديكاليّ الذي خلق مناخًا ملائمًا لتحويل النداء ضد هذا الكيان إلى حقيقة ومقاومة تهدّد وجود الكيان.
هذه الظروف التي نشأ بها الكيان جعلته في حالةِ تمسّكٍ دائم بتطوير مفهوم الأمن القومي الذي يشغل القرارين العسكري والسياسي معًا. هذا المفهوم في رأي كبار المؤسسين في “إسرائيل” هو محل اهتمام واسع، وهو بالإجماع الضمانة الأولى لبقاء هذا الكيان المكروه. يبقى النقاش في من سيحمي أمن الكيان، هل هو القرار السياسي؟ أم أنّه العمل العسكري للجيش الإسرائيلي؟ بحسب الواقع فإنّ القرار الأكثر تأثيرًا على الأمن الإسرائيلي هو الجيش الذي يصنفه الخبراء بأنّه الأقدر على حماية “إسرائيل”، وفي بعض الأحيان يرى البعض كونه الوحيد القادر على ذلك. وبالفعل رأينا في أحداث ما قبل حرب أكتوبر 1973 أنّ القرار العسكري والاستخباراتي هو الذي حدّد كيفية التعاطي مع الأحداث، الأمر الذي تكرّر في الأيام التي سبقت حرب تموز 2006.
إذًا الجيش الذي يعوّل عليه المستوطن الإسرائيلي ليحمي أمن كيانه هو بحاجة ماسة للحماية من العوامل الخارجية التي إن تفاقمت سلبًا ستحدث أثرها فيه، إذ سينعكس ذلك في تراجع إقبال المستوطن على الانخراط داخل صفوف الجيش بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، وما إن يخسر الجيش شعبيته فهو سيكون أمام جيل جديد من “جيش الشعب سابقًا”، وهو ما حصل اليوم، فالشعب لم يعد ينتمي لإسرائيليته بنفس دافع الجيل الذي سبقه، ولم يعد يقاتل لأجلها كما قاتل أجداده، الأمر الذي يعدّ اليوم مقتلًا للأمن الإسرائيلي ولاستمرارية الكيان. اليوم الكيان يقف عاجزًا أمام جيل يفضّل الهجرة على القتال، ما يعكس تراجع الانتماء لدى الشباب لأصل دولة “إسرائيل”، في حين أنّ الانتماء للدولة اليهودية بحسب زعمهم يحتاج للتمسّك بالأرض التاريخية. هذا الجيل أيضًا بات اليوم يفتقد للروح الإسرائيلية التي يعوّل عليها الجيش، لما تملك من عقيدة تستحضر قضية الدفاع عن الكيان، وهذه الروح كانت تعتبر سابقًا من “المسلمات الصنميّة” التي لا يمكن المساس بها أو الشك بوجودها!
هذا هو حال الجيش اليوم الذي يعاني من فقدان عنصر المقاتل المشتبك، وتداعي العوامل الخارجية عليه، هذا إضافة لتأثير الفشل في خياراته على أدائه العام ومساره، ما جعل الخبراء يعودون للسؤال عن أيّ القرارين أرجح السياسي أم العسكري؟ ولكن على الأقل حتى عام 2006 وبالتحديد بالعودة إلى تموز من ذلك العام، نرى أنّ القرار العسكري كان يحتكر التعامل مع الواقع إضافة لاتخاذ القرار وردّات الفعل؛ ففي العام 2006 كما في العام 1973 أخفق القرار العسكري ما عكس لغة الشماتة من السياسيين.
بعد أن عرفنا أهمية الجيش في تركيبة الكيان، وضرورته لضمان الاستمرارية على الأقل بالحسابات المادية، وعودة النقاش في أرجحية القرار السياسي على العسكري، ومع الإخفاقات العسكرية المتكررة سواء في الحروب الكبرى أو الصغرى، نأتي لسؤال “هل الإخفاق العسكري لدى الكيان في المرة القادمة هو لمرة واحدة فقط ولن يتكرّر؟” خاصة مع تنامي قوى الممانعة والمـقاومـة التي تتوعّد إسرائيل مع كل صباح بالإزالة من الوجود.