محمود موالدي* – خاص الناشر |
لقد كرست المقاومة منذ فجر تأسيسها مفهوم التحرر بأبعاده العقائدية، فأشعلت بركان التمرد على واقع الاحتلال المنتج للذل والخنوع والهوان، وتجملت بعزيمة ذاك المحارب البطل، وتعممت بقيادة رشيدة وحكيمة وشجاعة، لتنتج انتصار التحرير وتثبت للأمة فلسفة قد غيبت، فكانت تجربة أدخلت الجمهور العربي خصوصًا والأمة الإسلامية عمومًا زمن الانتصارات، فكان الجنوب اللبناني شاهدًا حيًّا على أعلى وأسمى وأرقى تجربة في واقعنا السياسي المعاصر.
أربعون عامًا راكمت فيها المقاومة بصدق شبابها وبصيرة قيادتها واحتضان بيئتها وجمهورها لها الخبرات والتقنيات والتجارب العملانية التي أعطتها مناعة وافرة، فكانت سدًّا منيعًا على طوفان العدوان المتعدد؛ فمن انتصار تموز ومفاعيله الداخلية والإقليمية إلى الحرب على سورية، والاندماج بواقعية التشابك الميداني وما أنتجته من مواقف سياسية واضحة صريحة وثابتة جعلت من هذه التجربة صرحًا مبتكرًا يحتذى.
إن أدوات العدوان قد تختلف باختلاف المرحلة وآلية الحرب ومجرياتها، وكذلك مقاومة العدوان ومواجهته تخضع بحكم الضرورة للتغيير واختلاف سبل المواجهة ضمن السيرورة التكتيكية للمعركة. فما نشهده اليوم هو شمولية الحرب دون التوسع الجغرافي، ومحاولة لتثبيط المعنويات وخلق مناخ تفاضلي عاكس لحالة التذمر المعيشي المفتعل من خلال العقوبات الغربية والأمريكية المفروضة والأدوات المحلية المتخمة بالفساد المتراكم عبر عقود.
من يدقق في الأداء السياسي للمقاومة والمتوائم مع نشاطها الاستثنائي على الصعيد الإنساني والاجتماعي وحتى المعيشي والخدمي يدرك حقيقة القراءة السياسية السليمة لقيادة المقاومة وأحقية خطابها السياسي. إن تسارع الأحداث دوليًّا وإقليميًّا والارتباط الوثيق بين التصعيد العالمي والمصالح المشتركة لدول العالم يجعلان التحليل السياسي لأخذ أي قرار مستقبلي يخضع لحسابات دقيقة مبنية على الربح والخسارة والتحالفات والتشاركات الدولية والإقليمية.
لقد استطاعت المقاومة فرض نفسها إقليميًّا بارتباطها الجذري مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتحالفها الإستراتيجي مع الجمهورية العربية السورية والتشابك النموذجي مع مختلف حركات التحرر الوطني والحركات المقاومة في الساحة الفلسطينية، وكرست امتداد هذه الجبهة بالدعم الدائم لحق الشعب اليمني المقاوم، فامتلكت أوراقًا سياسية ضاغطة ومنصات استراتيجية ضامنة لتوجهها من جهة وللنجاح المستمر من جهة ثانية.
إن فلسفة المقاومة بمفهومها الحي خلقت مناخًا مقاومًا ينطبق على الاقتصاد والإعلام، وأي باب من أبواب الحقل الثقافي أن يكون مقاومًا. أربعون ازدهارًا حققت المقاومة الإسلامية في لبنان من خلالها انتصار يقظة الأمة وعبقرية وجودها ودلائل عزتها، لتبقى المقاومة في ريعان شبابها الذي لا يأبد ونارها التي لا تخمد وعزيمتها التي لا تهون، وستبقى المقاومة صاحبة الأبواب التي لا توصد.
*كاتب وناشط سياسي سوري