شُن العدوان السعودي الأمريكي على اليمن تحت مبرر إعادة الشرعية المزعومة، لكنه بعد سبع سنوات استبدل بتلك الشرعية المنتهية شرعية أخرى لا شرعية لها سوى أمر ولي أمرها محمد بن سلمان باستبدال الأدوات الجديدة بأخرى قديمة.
لكن هذا الاستبدال بين الأدوات السعودية لم يأتِ إلا بعد سبع سنوات من العدوان البربري قُتل خلالها مئات الالاف من المدنيين اليمنيين وجرح ضعفهم، ودُمرت البنية التحتية تدميرًا شبه كلي ليأتي الدور على العملة الوطنية؛ فبدأت حربهم بنقل البنك وقطعهم لمرتبات الموظفين لتتفاقم الأوضاع الاقتصادية على كل الشعب في ظل انتهازية مفرطة لدى الأدوات اليمنية التي ظنت أن الأجنبي الغازي والطامع في المقدرات اليمنية عبارة عن جمعية خيرية فلم يحصلوا حتى على فتات دولة وإنما لخيبة رهاناتهم تسببوا في تفتيتها وتمزيق اليمن.
لكن بعد أن رأى النظام السعودي تطورات الأحداث الدولية في الحرب الروسية الأوكرانية وازدياد الطلب على النفط بسبب المقاطعة الأمريكية الغربية للنفط الروسي كان بقاء التصعيد العسكري بين صنعاء والرياض خطرًا حقيقيًّا على الأخيرة بالذات إذا ما قررت القيادة اليمنية في صنعاء تكرار الضربة العسكرية كتلك السابقة التي استهدفت ارامكو فتسببت في إيقاف نصف الإنتاج للشركة النفطية العملاقة مما تسبب في ارتفاع أسعار النفط يومها بسبب انخفاض الإنتاج السعودي للنفط الذي اوقفته الصواريخ والمسيرات اليمنية لعدة أيام.
ازاء كل تلك التطورات الدولية كانت القيادة السعودية تعي خطورة الاستمرار في العدوان على اليمن لذلك طلبت من القيادة العمانية التوسط لمعرفتها المسبقة بالعلاقة الجيدة بين مسقط وصنعاء. ونجحت الوساطة العمانية في التوصل إلى هدنة لمدة شهرين كانت تراها الرياض تكتيكًا ضروريًّا حتى انتهاء الحرب الأوكرانية الروسية، لكن لأن الأخيرة لم تُحسم كانت مضطرة إلى تجديد الهدنة المزعومة إلى شهرين آخرين برعاية أممية.
ومع الحاجة السعودية للتهدئة إلا أنها ظلت منذ اليوم الأول للهدنة تعرقل وتماطل في الإيفاء بالشروط المتفق عليها بينها وبين صنعاء فلم تفتح مطار صنعاء الدولي وظلت تماطل وتختلق العراقيل ومضى الشهر الأولى من الهدنة دون رحلات، من ثم رحلتان يتيمتان بدل ان تكون هناك رحلتان كل اسبوع إلى العاصمة الأردنية عمان والأخرى إلى العاصمة المصرية القاهرة. وللمفارقة إننا على مشارف انتهاء الشهر الثالث للهدنة ولم تصل الى القاهرة إلا رحلة واحدة.
أما في ما يخص سفن المشتقات النفطية فقد كان الاتفاق على دخولها لإنهاء أزمة المشتقات النفطية لكن السعودية عادت إلى القرصنة البحرية لسفن المشتقات النفطية قبل انتهاء الأسبوع الأول من الهدنة.
إضافة إلى ما سبق من استمرار اغلاق مطار صنعاء والقرصنة البحرية لسفن المشتقات النفطية المتفق على دخولها، استمرت المملكة في استباحتها للأجواء اليمنية بطائراتها التجسسية مما ادى إلى سقوط عدد منها على الأراضي اليمنية كان اخرها الطائرة التي سقطت في قلب صنعاء وتسببت في استشهاد عدد من المدنيين.
كان هذا الاستمرار السعودي لاختراق الأجواء اليمنية تجاوزًا خطيرًا لبنود الهدنة يثبت عدم الجدية السعودية نحو السلام وإيقاف عدوانها الوحشي غير المبرر سوى إعادة الدولة اليمنية للتبعية والارتهان لها من جديد بعد ان كانت اليمن قد خلعت الوصاية والتبعية للخارج في يوم انتصار ثورة ٢١سبتمبر ٢٠١٤ المجيدة.
ورغم كل هذه المؤشرات الواضحة على عدم النية الصادقة للسعودية نحو المضي للسلام الشامل وحلحلة الملفات العالقة ظلت القيادة في صنعاء حريصة على تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات، لذلك اعطت الوفد الوطني الحرية الكاملة في التوقيع على اي اتفاقات طالما هي ستخفف من معاناة الشعب اليمني. وقدم وفدنا الوطني تنازلات كبيرة لأجل السلام، لكن كل تلك التنازلات لم تكن كافية للسعودية التي لا تريد السلام بل الاستسلام، وهذا هو المحال، فلم يعد لدى قيادة اليمنية ما تخسره بينما لدى المملكة الكثير الذي ستخسره اذا عادت لمواصلة حربها العدوانية.
لم تكتفِ السعودية بتعنتها وتجاوزاتها واخلالها بالبنود المتفق عليها للهدنة حتى قامت أمس بقصف المناطق الحدودية المأهولة بالمدنيين في مديرية منبه الحدودية بالمدفعية ليسقط عدد من الضحايا. وامام هذا الصلف السعودي لن تقف صنعاء مكتوفة الأيدي ولديها خياراتها وتكتيكاتها الخاصة، وقد لوح لها رئيس الوفد الوطني الاستاذ محمد عبد السلام قبل ايام في تغريدة له على تويتر “استمرار تحالف العدوان في عرقلة الرحلات المتفق عليها واحتجاز السفن وتحليق طيران التجسس خطوات سلبية لا تساعد على مواصلة الجهود المبذولة ضمن التهدئة القائمة”، في اشارة إلى تصعيد مماثل قد تتخذه صنعاء إذا واصلت الرياض عنجهيتها.
وتظل الأيام المقبلة حبلى بالتطورات الهامة التي قد تغير معادلة المواجهة بين صنعاء والرياض خصوصًا بعد الإيمان القطعي لدى صنعاء أن النظام السعودي غير جاد في السلام وأن قبوله بالهدنة فقط للتكتيك وترتيب الصفوف وحماية منشآته النفطية من الاستهداف والقصف اليمني بالذات في هذا الظرف الحرج.
لكن المملكة ستكتشف في الأخير إنها تورطت من جديد في المأزق اليمني، وقد حان الوقت لتدفع الثمن باهظًا إذا ما دخلت صنعاء في الخيارات الإستراتيجية الكبرى التي تلوح بها والتي قد تكون اخراج “ارامكو” من الخدمة، فلا شيء مستحيل امام العقل اليمني الذي اثبت جدارته خلال سبع سنوات من الحرب غير المتكافئة ليقلب المعادلة على رؤوس قادة تحالف العدوان يوم تحول من الدفاع إلى الهجوم ووصلت صواريخه الباليستية وطائراته المسيرة إلى العمق السعودي والإماراتي وحدث ما لم يكن في حسبان المعتدين يوم شنوا عدوانهم على شعب عربي مسالم في ليلة 26 مارس 2015 الغادرة.