لم تعد ظاهرة التطبيع مع العدو الصهيوني ظاهرةً خفيّة أو نادرة الحصول، ولم يعد خبر تطبيقها خبرًا صادمًا لشعوب الأمة العربية، فمثل هذه الأخبار باتت شبه يومية تتداول عبر وسائل الإعلام دون أي مظاهر للخجل أو الحياء لدى المقدمين عليها، أو الساعين إليها.
وأمام هذا الواقع الملطّخ بالخيانة والذل، انقسمت الدول العربية بين مؤيد للتطبيع ومشجّع لتطبيقه من جهة، وبين معارض رافضٍ لصفقات الذل والعار تلك، مؤيدًا لقضية فلسطين وداعمًا لها ومجرّمًا كل من سعى إلى التخلي عنها من جهةٍ أخرى.
بين الذل والكرامة خيط يسمى التطبيع
لم يكن التطبيع ظاهرةً جديدة في الوطن العربي، فقد بدأ العدو الصهيوني مسلسل التطبيع منذ سنوات، لكن الأمر كان مقتصرًا على مصر (1979) والأردن (1994)، قبل أن تتوسع القائمة لتطال الإمارات والبحرين، حيث كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد أعلن عن توقيع “اتفاقية سلام تاريخي” بين “إسرائيل” والإمارات، ومن ثم أعلن ترامب في 12 سبتمبر 2020 أن “إسرائيل” والبحرين ستقومان بتطبيع العلاقات بينهما، وقد حذا كل من المغرب والسودان حذو الإمارات والبحرين في العام السابق.
وعلى الجهة المقابلة، قوبل مسلسل التطبيع بحملة رفض ومعارضة شديدة تبنتها دول عربية عديدة كانت قد وضعت القضية الفلسطينية نصب عينيها، ولم تعترف بالكيان الصهيوني كصديق ولا حتى ككيان بحد ذاته، وقد شملت هذه الدول كلًّا من لبنان وسوريا والعراق والجزائر وتونس واليمن والكويت، حيث تَعتبر هذه الدول أن ما يسمى “إسرائيل” هي كيان مغتصب لأرض عربية وهي عدو للأمة أجمع. وهنا لا بد من التنويه الكبير جدًّا بكلّ من ترجم هذه المعارضة على أرض الواقع وجعل للمطبّعين عقابًا وحسابًا.
وبالمقابل فإن الدول العربية التي مضت في مسار الذل والتطبيع ترى لخطوتها تلك منافع عديدة على مستويات كثيرة أبرزها الاقتصادية والتجارية والسياسية والأمنية. والسؤال الأشد استنكارًا واستغرابًا الذي يطرح هنا: كيف بإمكان هذه الدول أن تعطي الثقة لمن احتلّ واستوطن أرضًا عربية مقدسة وعاث فيها فسادًا وبأهلها ظلمًا وتهجيرًا وقهرًا وما زال يمارس بحق شعوب تلك الأرض أشد أنواع الظلم والحقد؟
مقاومة التطبيع واجبٌ على الأمة
تمضي موجة التطبيع مع العدو الاسرائيلي اليوم كالسيل الجارف، وها هو اليوم يسعى جاهدًا مع الشيطان الأكبر لشد أكبر عدد من الدول المطبعة إن كان في العالم العربي أو في غيره من بلدان العالم. وفي هذا السياق لا بد من استنفار الجهود على كافة الأصعدة والعمل بكل عزم وإرادة على مقاومة هذا التطبيع والحؤول دون حصوله بأي شكل من الأشكال، إن كان على المستوى العسكري أو المقاطعة الاقتصادية، والمواقف السياسية والحملات الإعلامية المناهضة للتطبيع والمؤتمرات وندوات التوعية والتوجيه الدائم للرأي العام بأن الوجهة الأساس هي دائمًا فلسطين، وأن عدو الأمة واحد وتاريخ هذا العدو هو تاريخ حافل بالقتل والإجرام ولا شيء في هذا الوجود قادر على أن يزيل عنه هذه البصمة.
توزعت الدول العربية إذًا على محورين، محور الكرامة ومحور العمالة، واختارت كل منها إما المكوث إلى جانب الحق أو الانضمام إلى جبهة الباطل، ونسي أسياد الأمة وحكّامها أن وجهتهم كانت ولا زالت واحدة وهدفهم كان ولا زال واحدًا ألا وهو فلسطين. وها هي فلسطين اليوم تقاوم عدوًا احتل أرضها وشعبها، وها هم بعض العرب يصفقون اليوم فرحًا وابتهاجًا بمصافحتهم لهذا العدو الغاشم، ولكن ربّما نسي هؤلاء العبيد أو تناسوا، أن ما بين المقاومة والمصافحة ثمة حد فاصل سمّي كرامة، وسلامٌ على كرامة الأمة حين تصافح أيادي عدوّ الله وعدوّها.