عيد التحرير في إعلام العدو (٢/٢): بنات العملاء هل يردنَ العودة إلى لبنان حقّا؟

في اجواء التحرير، يتواصل ظهور العملاء المنهزمين، المندحرين مع جيش الاحتلال، في إعلام العدو، بغية التملق إلى سيدهم الصهيوني علهم “يشحذون” منه الوعود التي اغدقها عليهم حتى خانوا لبنان وشعبه.

ويُلاحظ ايضاً أنهم ما زالوا يتكلمون بصيغة أنهم “منبوذون” من قبل العرب في فلسطين المحتلة الذين يصمونهم بالخيانة، أو من قبل غالبية الصهاينة الذين ينظرون إليهم نظرة ازدراء ودونية ويعاملونهم كأنهم “غرباء أو من درجة ثانية”، بحسب تعبير أحد العملاء الفارين، رغم حصولهم على جنسية الكيان وأغلبهم أدى أو يؤدي الخدمة العسكرية.

تبرز الفكرة الأخيرة في مقدمة مقال حول العملاء في إعلام العدو، حيث تقول الكاتبة إن هذه الوصمة “لا يمكن إزالتها لا بالمبيضات ولا بمزيلات الشحوم (…) لم تستطع دولة (الاحتلال) التعامل كما يجب مع حلفائها الذين قاتلوا كتفًا إلى بكتف إلى جانب جنود الجيش (الصهيوني) وفي لحظة واحدة تم تهجيرهم من لبنان”.

يقدر المقال عدد المتبقين من شراذم العملاء في كيان الاحتلال بحوالي ثلاثة آلاف عميل يتوزعون في مناطق عدة، ويتركزون في مناطق شمالي فلسطين المحتلة.

المقال يقدم نفسه منبرًا للعملاء وأبنائهم لتقديم قصص حياتهم فيحبكون السيناريوهات الخيالية علهم يفوزون برضا سيدهم أو يبتزون منه بعض ما وعدهم به.

سلالة الموت
تروي الفارة هيلين نصر البالغة من العمر ٥٧ عامًا “قصة حياتها المروعة” بحسب تعبير كاتبة المقال.

تزعم هيلين أن “شقيقها الاكبر طوني، والذي كان مقاتلًا في “جيش لبنان الحر”، قُتل في “شجار مع راعٍ مسلم” عندما كان عمره ١٩ عامًا قرب قريتهم العيشية، ثم سقط والدها عام ١٩٧٦ في قتال مع الفلسطينيين، وتهجروا من قريتهم نحو بيروت” بحسب المقال العبري.

وتتابع نصر: “واصل اخي نبيل التواصل مع (الصهاينة) لسنوات عدة حتى كان اجتياح لبنان في العام ١٩٨٢ فعدنا إلى القرية بعد طلب أفراييم سنيه(*) من نبيل العودة وإنشاء كتيبة لجيش (العملاء) هناك رغم معارضة أمي أول الامر، لكنها قبلت في النهاية”.

هيلين نصر مع اثنين من أولادها أثناء الاحتفال بوضع حجر الأساس لنصب تكريمي للعملاء مقابل بوابة فاطمة من الجهة المحتلة.

وتواصل سرد حبكتها الدرامية: “في العام ١٩٨٦ قتل اخي نبيل بإطلاق النار عليه من كمين نصبته حركة أمل الشيعية عندما كان عمره ٣٤ عامًا (…) لكن شقيقَيّ الاصغرين اسعد ومارون قررا الاستمرار في طريق نبيل؛ فقد كان المهم بالنسبة لهما أن يظهرا لأعدائنا أنه لا يمكن تخويفنا. أقنعا والدتنا التي عارضت ذلك بأن كل شيء “مكتوب” وأنهما ممكن أان يموتا بحادث سير (…) كان اسعد يخدم في وحدة المخابرات فلم يستطع ترك منصبه فتم تعيين مارون رغم صغر سنه (٢٤ عامًا) قائداً للكتيبة خلفًا لنبيل (…) كانت مهمة نبيل الأخيرة في العام ١٩٨٨ حين قُتل بالرصاص، فهو كان يحرص على السير دائمًا على رأس المقاتلين (…) بقي أسعد يسير في الدرب نفسه حتى العام ١٩٩٤ حين سقط مع أربعة مقاتلين آخرين (من ميليشيا العملاء) بعبوة زرعها حزب الله… ثم تعرضنا لضربة قاتلة أخرى مع انفجار عبوة زرعها حزب الله وقتلت ابن شقيقي اسعد وابنته (…) منذ ذلك الحين لازم عائلتنا لقب “سلالة الموت”، بعد ثلاثة أجيال من الموت والضياع والحزن”.

وعن سيرتها الشخصية تقول: “قبل عامين من مقتل اسعد انتقلت للعيش في (الكيان الصهيوني). لقد وقعت في حب مقاتل “درزي” فجن جنون والدتي وحبستني في البيت، لكن هربت وتزوجته وانتقلت للعيش معه، فلم أتمكن من حضور جنازة اخي (…) سجلنا أولادنا الثلاثة كدروز حتى يتمكنوا من الخدمة في الجيش”.

وتعقب نصر كاشفة غايتها من هذه الهوليووديات: “اخوتي قدموا حياتهم وحتمًا لم يكونوا يقبلون هذا التمييز الذي نشاهده هنا… إنه لأمر مؤلم أن نشاهد هذا الصراع الداخلي بيننا”.

نفق الفرار من الواقع
وفي مقال آخر تتحدث واحدة من أبناء العملاء في فلسطين المحتلة المدعوة مريم يونس، والتي تروي كيف تلقت امها مساء أحد أيام أيار من العام ٢٠٠٠ مكالمة من زوجها أحد عناصر ميليشيا العملاء يطلب منها تحضير نفسها للفرار الى فلسطين المحتلة بسبب انهيار جيش العدو ودخول حزب الله إلى المنطقة المحتلة… يومها فروا من قرية دبل وكانت مريم بعمر خمس سنوات كما تقول.

مريم يونس

تتحدث مريم عن تجربتها في الاندماج مع المجتمع الصهيوني بصعوبة حيث رفضها العرب ولم يتقبلها الصهاينة المحتلون إلا بصعوبة بعد مضي وقت طويل… ولكن ليس بشكل كامل.

تتابع مريم دراستها حاليًّا طالبة دراسات عليا في مجال الاتصالات، ولها أنشطة اخرى، لكن اللافت للنظر في مقابلتها امران:

الاول: قولها إن قصتها ألهمت كاتبة قصص اطفال صهيونية لتحولها إلى أحد أجزاء سلسلة تصدرها عن نفق ينقل الأطفال من عالم إلى عالم بحيث نقل مريم ورفاقها إلى لبنان قبل العام ٢٠٠٠.

الثاني: تحمسها واهلها في معركة بنت جبيل في العام ٢٠٠٦ واستبشارهم بأن انتصار العدو سيمكنهم من العودة إلى قريتهم دبل.

كلام العملاء وأبنائهم كما قلنا يدور حول “التبييض والشحادة”، ولكن هنا نكتشف عمق تأثير عقدة الرفض لهم من الصهاينة بحيث يتمنون الهروب من واقعهم المستجد رغم التقديمات والمراكز التي ينعمون بها، ورغم ما جنته ايديهم بحق بني جلدتهم في لبنان. ولعل التساهل القضائي مع اقرانهم في لبنان أعطى دفعًا لهذه النزعة.

على كل حال يبقى العميل عميلًا مرذولًا من الذين خانهم ومن الذين خان لصالحهم. هذه سُنة بشرية رغم الاختلال في الهوية الوطنية في لبنان التي نأمل ان يتم ترميمها قبل فقدانها.

(*) افراييم سنيه: عميد متقاعد من جيش الاحتلال شغل منصب قائد الارتباط في المنطقة المحتلة من جنوب لبنان، ويعتبر احد مؤسسي ميليشيا العملاء.

اسرائيلالجيش الاسرائيليالعملاءجيش لحدلبنانهام