الإنفاق الانتخابي بين الفساد والقانون

ألقت الانتخابات النيابية بثقلها على أوساط المجتمع اللبناني وأصبحت الحدث الأكثر أهمية والأكثر ضخامة، وكأن كل ما يحدث في الداخل والخارج من تطورات وأحداث قد تجمد في أذهان اللبنانيين لحين انتهاء اليوم الموعود، 15 أيار، يوم الانتخابات. وفي هذا السياق كان من الملفت الحجم الكبير جدًا للحملات الاعلانية والإعلامية لبعض المرشحين المنتمين لأحزاب سياسية معيّنة، والذي يدل بطبيعة الحال على وجود أموال هائلة تصرف في سبيل ذلك، الأمر الذي يطرح أسئلة كثيرة عن الأهداف الخفية لهذه الحملات.

إنفاق انتخابي هائل
أجرى مجلس النواب مؤخرًا تعديلًا على القانون الانتخابي يقضي برفع سقف الإنفاق، ففي قانون انتخاب العام 2018 رقم 44/2017، حدد السقف بـ 150 مليون ليرة لكل مرشح، و150مليون ليرة لكل مرشح في لائحة، و5 آلاف ليرة لبنانية عن كل ناخب مسجل في الدائرة الانتخابية الكبرى، ووصل إجمالي الإنفاق المتاح في الدوائر الانتخابية قياسًا إلى عدد المرشحين والناخبين في حينها إلى نحو 879 مليون دولار.

حاليًا وبعد انهيار العملة اللبنانية، عُدل القانون السابق، وارتفع سقف الإنفاق إلى 750 مليون ليرة لكل مرشح و750 مليون ليرة لكل مرشح في لائحة و50 ألف ليرة عن كل ناخب مسجل في الدائرة الانتخابية الكبرى، ما يعني أن سقف الإنفاق الثابت ارتفع بنسبة 400 في المئة، فيما ارتفع سقف الإنفاق المتحرك بنسبة 900 في المئة، بحسب أرقام “الدولية للمعلومات”، التي ترى أن الرقابة على هذا الإنفاق مهمة صعبة أو مستحيلة نظرًا لحركة السيولة النقدية الكبيرة في البلاد.

ومن ناحية أخرى فإنه وبعد ازمة السيولة التي نتجت عن الانهيار الاقتصادي واحتجاز أموال المودعين وفرْض سقف للسحوبات المالية، فُقدت الثقة بالمصارف واتجه اللبنانيون الى التداول النقدي في المعاملات، الأمر الذي صعّب من عملية تتبّع الرشوة الانتخابية التي تتم عبر مراجعة حسابات المرشحين واللوائح المخصصة للإنفاق الانتخابي.

بالإضافة الى ذلك، تشهد العديد من المناطق التي تحتدم فيها المعركة الانتخابية بين المرشحين عمليات رشوة مستترة تتمثل أكثريتها بشراء أصوات ناخبين مقابل مبالغ مالية نقدية لا بأس بها، تبدأ بـ 100$ في بعض المناطق وقد تصل الى 1000$ في مناطق أخرى!

بالقانون يبدأ الإصلاح
كغيره من الملفات الناقصة والتي تحتاج الى اصلاح جذري، فإن ملف الانتخابات بحاجة ماسة الى اصلاح كبير وجريء لأنه نقطة البداية لأي عملية تغيير أخرى في أركان الدولة ومؤسساتها وقوانينها.

ولعل عدم وجود قانون يكافح الرشوة الانتخابية في لبنان هو بحد ذاته مشكلة كبرى، الأمر الذي يجعل أداء هيئة الإشراف على الانتخابات غير كافٍ ولا يعطي النتيجة المطلوبة في مكافحة الفساد والرشوة الانتخابية. والجدير بالذكر وعلى سبيل المثال ثمة 45 وسيلة إعلامية أحيلت على محكمة المطبوعات، وحتى الآن رغم حلول موعد الانتخابات الجديدة، لم يبت بهذا الملف، أو أن هناك مرشحين منذ عام 2018، لم يلتزموا بمهلة الشهر لتقديم بياناتهم الحسابية الشاملة لهيئة الاشراف على الانتخابات، وهناك 222 مرشحًا لم يرسلوا بياناتهم حتى الآن، ولم يعلن للرأي العام من هم هؤلاء، رغم وجود بند جزائي بقيمة مليون ليرة عن كل يوم تأخير، ما يعني نحو 300 مليار ليرة يجب أن تكون اليوم في خزينة الدولة.
وعلى مقلب آخر فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: من أين لهؤلاء المرشحين كل هذا الدفق المالي غير المحدود؟ والأهم ما هو الهدف الباهظ الثمن الذي يسعون لتحقيقه مقابل كل هذا الإنفاق الهستيري؟

إن قراءة شاملة للوضع العام والواقع الذي ارتسمت ملامحه منذ فترة طويلة، واليوم بشكل أوضح وأكثر من أي وقت مضى، يشير الى أن الهدف الرئيسي لكل هذه الحملات الشرسة هو اضعاف البيئة الداعمة والمناصرة لخط المقاومة وذلك تنفيذًا واستكمالًا للحملات الخارجية الممنهجة التي بدأت منذ سنين ولا زالت، واليوم على جبهة مواجهة جديدة تجلت بالانتخابات النيابية.

يجتمع اليوم محرضو وعملاء الداخل مع الخارج ليوحدوا صفوفهم استعدادًا لمعركة جديدة، معركة خاضها قبلهم وعنهم من هم أكبر وأقوى منهم ولم يحصدوا منها سوى الذل والخذلان، واليوم تتجدد المعركة بصورة جديدة، لتثبت أن للحق والباطل موعدًا في أي زمان ومكان، وفي كل مرة وموعد كان ينتصر الحق، ويهزم الباطل، ونحن ما زال لدينا آمال بأن ينتصر الحق اليوم أيضًا على من دمر ونهب وسرق البلد وأذل شعبه وأهله.

اساسيالانتخابات النيابيةلبنان