“في لبنان القليل من الديموقراطية والكثير من الحرية”. إنها جملة شهيرة لرئيس وزراء لبنان السابق والنظيف والمميز سليم الحص، التي قد تعكس بعضًا من هوى لبنان في الاجتماع السياسي، لكنها بكل تأكيد لا تعكس الهوية الحقيقية للبنية السياسية والاجتماعية اللبنانية.
ففي خضم ما يسمى بالمعركة الانتخابية والخطاب الغابوي المتوحّش، الذي يرتفع من كل حدب وصوب، ولغة الافتراس التي تنتهجها معظم تشكيلات سكان الغابة السياسية اللبنانية، أسمح لنفسي، كمواطن من طبقة “الفئة الأليفة”، أن أستعير من الرئيس الحص جملته المهذّبة وأعيد صياغتها على الشكل التالي، بحيث تكون مصداقًا لماهية لبنان وانعكاسًا للواقع اللبناني المعاصر: “في لبنان القليل من الديموقراطية والكثير من الفلتان”، وأضيف أيضًا “في لبنان انعدام للديموقراطية وفائض من الفجور والتعري الأخلاقي والفكري”.
هذه هي الحقيقة اللبنانية الساطعة من خلال ما نرى ونسمع كل يوم. في لبنان تفلّت من القيم وانعدام في الثقافة السياسية، وجهل لمفهوم الحرية، واغتصاب لمبدأ حرية التعبير. في لبنان جاليات تنتشر على مساحة واسعة من الأراضي تعيش في كنف الغاب، ولا تحترم حتى شريعته، فئات متنوعة مختلف ألوانها، مثَل البعض منها كمثَل الحمار يحمل أسفارًا، ومثَل البعض الآخر كمثَل الكلب إنْ تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث. والكل على مزبلة فضلات مشغليه يصيح.
هذه هي بضاعة لبنان، التي يكثر إنتاجها، خصوصاً، في موسم ما يسمى بالانتخابات، حيث يفقس فيه الدجاج البلدي، بدل البيض، محلّلي سياسة ممن هبّ ودبّ، وتمطر السماء خطابات وأشباه رجال لا واصف لهم ولا مثيل. موسم تنبت فيه الأرض بدل الزرع أفاعي إعلام وصحافة تتسلّل إلى خزائن العقول لتبثّ داخلها كل أنواع السموم، محاولة بذلك قتل أهل القضية، وتعمل على تشريع الأبواب للكلاب الأليفة المدرّبة التي تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على الإنجازات والقضاء على المقدّرات.
في لبنان يوجد من كل الأصناف، وكلهم للحق كارهون، وقليل منهم المخلصون. في لبنان، في بلد الفلتان، يوجد أيضًا استثناءات، ويخرج الطيب من الخبيث، ففي موسم زرع ما يسمى بالانتخابات، هناك أمّة في فئة لا تشبه إلا نفسها، لها شاكلتها الخاصة، أمة إذا كثر اللغو صمّت آذانها، وإذا تكلمت علّت كلمتها، أمة تغرد خارج السرب، ولكن تغريداتها ألحان عذبة، تُرمى بسهام الغدر لكن درعها يتلقى. أمة برجها برج الأسود، تتقدم المعركة والرعب يسبقها، تصبر على الضيم والضيم يحسدها. أمة تنهض من تحت الركام، تنفض عنها الغبار، تتوضأ بندى الأرض، تصلي والنصر دعاء. أمة تسكن تحت ذاك الرداء، ترفع القبضات والقسم ولاء. أمة اعتادت على نباح الكلاب من مختلف الأعراق والسلالات والتي لطالما نبحت من كل الجهات، لكن نباحها كان ولا يزال وسيبقى مجرد ملوثات سمعية.
إنه لبنان بلد القليل من الديموقراطية والكثير من العري الأخلاقي والفكري، وفائض من العمالة والانبطاحية والفئات الضالّة والمضِلّلة والجاليات المرتزقة على حساب الشرف والكرامة، إلا ما رحم ربي. وكل جولة انتخابات وأنتم بخير، والسلام على من اتبع الهدى.