حين يكون الفقر في الوطن غربة

غزا الفقر حياة اللبنانيين كما لم يفعل من قبل. انتشر بين فئات المجتمع اللبناني كافة دون تمييز ودون رحمة. لم يكترث لفئة أو لطائفة ولم يستثن واحدةً منها، جميعها تعيش اليوم تحت خطه وتصارع من أجل حياة كانت تسمى فيما مضى بالحياة الكريمة. ولعل أبرز مظاهر الكارثة الإنسانية التي يعيشها اللبنانيون ما حصل في بحر الشمال اللبناني، بحر طرابلس، وراح ضحيته مواطنون مظلومون، كان كلّ حلمهم البحث عن حياةٍ سلبت منهم فيما مضى، واليوم للأبد.

الفقر في انتشار مخيف ومؤلم
عام واحد مضى، كان كفيلًا بأن تتفاقم ظاهرة الفقر في لبنان بشكل مقلق ومؤلم؛ ففي دراسة أعدتها منظمة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، تبين أن نسبة الفقر قد طالت 28% من اللبنانيين عام 2019، وقد ارتفعت عام 2021 الى 74%، وقد بلغ عدد اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر 1.5 مليون نسمة أي ما نسبته 40% من الشعب اللبناني.

أما فيما يتعلق بالأسباب الكامنة وراء الانتشار المخيف لهذه الظاهرة، فإن الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد تأتي في مقدمة الأسباب، يتبعها انخفاض معدلات الاستثمار الخارجي والسياحة وانهيار قيمة العملة الوطنية واقفال الكثير من المؤسسات وارتفاع معدلات البطالة، بالإضافة الى مشكلة النزوح السوري التي زادت بشكل كبير الأعباء على الاقتصاد اللبناني لا سيما في ظل تخلي المجتمع الدولي عن التزاماته بهذا الشأن.

هذه الأسباب مجتمعة، جعلت من الواقع اللبناني ساحة للموت السريري، فاختار الكثيرون الهجرة على حساب ذلك، ولكن كان للقدر كلمة أخرى؛ كارثة طرابلس التي شهدها لبنان منذ أيام ليست سوى شاهد حي على المعنى الحقيقي لواقع اليأس والعدم الذي ألقى بظلاله على أرواح الناس، ولكن الموت كان هذه المرة خاطفًا لا بطيئًا. وطرابلس هي مدينة الفقراء التي لطالما قدمت لأبنائها وضمت آلامهم، وحفظت لهم حياةً كريمة، لا سيما في السنوات التي سبقت عام 1995 حيث كانت تسمى حينها بـ”مدينة المفروشات”، وكانت هذه الصناعة تشغّل عشرات الآلاف من أبناء المدينة، قبل أن يحتلها زعماء وسلاطين الفساد ويعيثوا فيها إفقارًا وإفسادًا.

بين الحلول المخدرة والحلول الجذرية
تسعى العديد من الجهات الرسمية اليوم وغير الرسمية الى ايجاد حلول سريعة ومؤقتة للحد من مخاطر ظاهرة الفقر. حلول تعالج بما أمكن هذا الواقع المؤلم، بانتظار الحلول الجذرية المطلوبة على المدى البعيد. وفي هذا السياق لا بد من أن نذكر مشروع البطاقة التموينية الذي أطلقته الحكومة اللبنانية عبر وزارة الشؤون الاجتماعية والذي طال ما يقارب الـ500 ألف عائلة من العائلات الأكثر فقرًا في لبنان، كخطوة للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية والمالية، فضلًا عن العديد من المبادرات والمساعدات التي تقدمها المنظمات والجمعيات المحلية والدولية للعائلات الأكثر فقرًا.

أما فيما يتعلق بالحلول الجذرية فهي ترتبط بشكل مباشر بمعالجة أسباب الأزمة الاقتصادية التي أوصلت البلاد الى هذه الحال، والعمل على اعادة تشجيع الاسثمارات الخارجية وتنشيط السياحة، ووضع البرامج الإصلاحية والإنمائية من قبل الحكومة وتحمّل الجهات الرسمية مسؤولياتها على مختلف الأصعدة، واتخاذ مواقف جريئة لاستثمار موارد الدولة عبر التوجه شرقًا والاستفادة من العروض المقدمة ووضع مصلحة لبنان قبل أي مصالح أخرى. والمهم والأهم من كل ما ذُكر القضاء على بؤر الفساد العظمى التي بوجودها لم ولن يتحقق أي نمو أو اصلاح في هذا البلد.

يعيش اللبناني اليوم صراع البقاء والاستمرار على قيد حياةٍ ما عادت حياة، فهو عانى ولا زال يعاني من أشد أنواع الذل والفساد على وجه الأرض مشتتًا نفسه وروحه لتأمين لقمة عيشه ودوائه وعلمه، وكأنه يعيش على هامش هذا الكوكب بعد أن كان فيما مضى صلة وصل لكافة أقطابه، وبعد أن أعاده أسياد الفساد الحاكمون الى عصر ما قبل الجاهلية، وهم بذلك لا يتميزون عن سلاطين وملوك ذلك العصر، طاغين فاسدين مفسدين ظالمين.

اساسيطرابلسلبنان