انعدام الأخلاق جزء أساسيّ من أدوات بعض “ثورجيي” لبنان؛ ففي كلّ ميدان مرّوا به، تركوا مشهدًا يكشف حجم تشوّهاتهم الأخلاقية والتي تُعتبر الأساس في كلّ تشوّهاتهم الفكرية والقيمية والسياسية وغيرها.
مشهد الأمس الذي تمثّل بالاعتداء المقرف على الوزير المهذّب وليد فيّاض يضاف إلى لائحة طويلة من الأعمال التي اتسم بها القواتيون بشكل خاص، والتشرينيون عمومًا، إن كان لم يزل هناك هامش ولو شكلي يفصل بين الاثنين، أو إن كان صحيحًا أصلًا افتراض أنّهما ليسا واحدًا بمعيار المشغّل، وبمعيار وحدة المهام والمسار.
حادثة الاعتداء هذه، على سخافة مرتكبها الذي أراد أن يبدو بطلًا في عين معلّمه، والذي يعرف أنّ جوقة سخيفة مثله ستبتهج بفعلته وتنظّر لأحقيتها، تشكّل صورة حقيقية عمّا يُسمى (ويا خجلتنا من الثورات) “ثورة”؛ فقطاع الطرق، “الثوار ما غيرهم”، سابقًا فتحوا الطريق وهلّلوا وصفقوا وتحلّقوا لأخذ الصور التذكارية حين علموا بمرور وليد جنبلاط في الشارع الذي يقطعونه. نسوا لوهلة أنّه جزء من المنظومة التي يدّعون ثورةً عليها، وحين عبر، بعد سيل القبلات والصور، عادوا إلى قطع الطريق على الناس، لأن قطع الطرقات عمل ثوري ضد المنظومة. يفعلون هذا دون حرج. يقولون هذا دون تلعثم أو تردّد. ينطقون جهارًا بعكس ما يفعلونه علانية، فالكذب بالنسبة إليهم كشربة الماء بل أسهل!
ولأن العمل الثورجيّ لا تتضح صورته بغير وجه إعلامي يصفّق له، أو يحرّض عليه، فلا بدّ من التذكير بدور ديما صادق، ابنة ثقافة الهيلا هو، ومتعهّدة ايصال التوجيهات منذ ما قبل الرينغ إلى ما بعد ريشارد خرّاط: بعد أن أنهت يومها الموثّق بالصور في أحد المنتجعات، قامت بنشر مكان تواجد الوزير وليد فياض في الليل، وبدون مرافقة كعادته، وهي تتفجّع بسبب كونه يمارس حياته الطبيعية في يوم حداد، على اعتبار أنّها ومثيلاتها وقفن طيلة النهار لتلقي التعازي بالضحايا! التعليمة التي يفهمها صغار الشوارع من “ستوري” الديما تكفّلت بأن يتوجّه منهم “قوّتجي” تحمّس لمشهد بطولي بمرافقة “ثورجيّة”، قيل إنّها من فصيل آخر، إلى المكان واقتربا من الوزير الخلوق بحجة إيصال رسالة “باسم الشعب اللبناني” (على اعتبار أن من قضوا ليلهم في التعبير عن الإشمئزاز والسخط من قلة أدبهم هم من المريخيين!) ثم التعرّض له بالضرب، إذ يعلمان أنّ الوزير يخرج ويتجوّل بدون مرافقة. وجميعنا يعلم أن أمثال هؤلاء جبناء فوق العادة، فلو شعروا بوجود مرافق واحد لخافوا حتى من الاقتراب من المكان.
ثمّ جاء من ينظّر في العنف الثوريّ، وفي ضرورة التحرّر من الأخلاق في سبيل تحقيق الغايات الثورية. لهؤلاء، لا يجد المرء ما يقوله سوى بعض المعلومات العامة المصنّفة في إطار البديهيات لشدة وضوحها:
- العنف الثوري هو عمل يهدف إلى إلحاق الأذى والضرر بالمراكز والشخصيات والرموز التي تمثّل واجهة المنظومة التي تقوم الثورة، أي ثورة، ضدّها. وهو يختلف حدّ التناقض عن الاعتداء الفردي والجبان على شخص أعزل يسهر في مكان عام.
- التحرّر من القيود الأخلاقية يؤسس عمليًا لإزالتها من كل الميادين، وهو هدف يُشهد لهذه الثورة العجيبة المجاهرة في السعي لتحقيقه، لكن المجاهرة بالخطأ لا تجعله صوابًا، فالقيد الأخلاقي ضرورة ثورية، بسقوطه تسقط كل الشعارات التي يدّعي حاملوها تبنّيها: المعيار الأخلاقي هو القاعدة التي تلزم الجميع بالبقاء في خانة البشر.
يعرف هؤلاء أنّهم عصابة، ونعرف، ويعرفون، أنّ الجميع يعرف، سوى من تخلّى عن كل القواعد المنطقية والواقعية في توصيف الأمور ومقاربتها، أنّهم مجّرد أدوات عديمة الأخلاق، وأن انعدام اخلاقهم هو المؤهل الوحيد لديهم والذي يخوّلهم العمل صبيانًا عند معلّم هو في الأصل صبيٌّ عند معلّم آخر. ويعرفون أيضًا أن ما قام به المدعو ايلي هيكل هو حركة رخيصة وصبيانية لا يرضى بارتكابها سوى نذل، سواء بشكل مجانيّ أو مدفوع.
منذ أيام قليلة، قال ايلي الفرزلي، الذي يمكن القول إنّه ممثّل رسمي للمنظومة التي يدّعون الثورة عليها، إنّه يحق له دهس كلّ من يقف في طريقه، بعد أن قام أحد مرافقيه بدهس المارّة. وبالتأكيد الثورجيون هنا وإن تظاهر بعضهم باستنكار القول والحادثة، بحثوا في قانون العقوبات عن مبررات قانونية تتيح له القيام بهذا الدهس، أو أقلّه تجاوزوا عن القول والفعل بالتجاهل الجبان، إن لم يكن على سبيل الانتماء والفرزلي إلى نفس الجوقة، فعلى سبيل الخوف والجبن من مواجهة رجل لا يخرج بغير مرافقين يدهسون المارّة.