حبيب عز الدين |
اطّلعتُ على مقدّمة مشروع حزب الكتائب، وبعض عناوين برنامجه الانتخابي، وفي داخلي بصيص أمل خجول جدًّا، بأن يكون خصوم حزب الله قد “تلبننوا” أخيرًا، وتحرّروا من جنسياتهم الغربية، ومسحوا عن ألسنتهم المنطق الأميركي، ذلك المنطق الذي لا يفرّق بين الحيوان والإنسان، فيتعاطى مع الأخير على أنه غرائزيّ، يهوى الافتراس وينتهج شريعة الغاب مع الآخرين، فيقوم -المنطق الأميركي- بإطعام الإنسان لحم إنسانٍ آخر حتّى يبقى البلد غابة.
بكلّ أسف شديدِ، لا يزال خصوم الحزب يصرّون على لعقِ ملعقة لحم الإنسان الآخر، استرضاء للأمهات الحنونات، لأميركا التي تغلق امام لبنان كل الطرق المؤدية الى انتعاشه ومنعه من بناء علاقات إلا بإذنها وأمرها، وللسعودية التي لها الحق الحصري في تعيين رئيس حكومة اللبنانيين، ولا توفر فرصة لتهديد لبنان علنًا، ولدول الخليج كافة التي شاركت في تدمير سوريا ومحاولة إحلال دولة داعش مكانها.
كل ذلك في مواجهة حزب الله، وخصومه في الداخل حاضرون دائمًا في هذه المعركة، جنودًا لا تهزّهم نتائج، ولا تؤثر فيهم حقائق، ولا يعنيهم الواقع، ثابتين على مواقفهم وآرائهم وكتاباتهم المُبرمجة، حتّى لو “اكل الدهر عليها وشرب” لا مانع لديهم في تجديدها ومسحها وتلميعها وإعادة وضعها في المقدمة وكأنها حديثة الولادة، حتّى لو اضطرهم الامر إلى خلقِ أسباب وهميّة لوضعها. على سبيل المثال، تحدثت مقدمة المشروع الانتخابي لحزب الكتائب خلال تقديم الأسباب الجذرية للأزمة التي يمر بها لبنان فقالت “قامت المنظومة السياسية ومن خلفها حزب الله وأدواته المؤسساتية الشرعية التي اكتسبها، بهجوم مضاد لضرب كلِّ محاولةٍ لتغيير الأمر الواقع وفكِّ أسر الشعب اللبناني”، فإذًا حزب الله هو من يقف وراء هذه المنظومة التي تسيطر عليها اميركا والسعودية العدوتان لحزب الله! وحزب الله يقف وراء منظومة يشكل حزب الكتائب جزءًا منها! هذا اوّل فالج.
الفالج الآخر الذي جاء في مشروع الكتائب هو أن حزب الله تسبب في “قمع التحركات وفتح الطرقات واستخدام العنف والأسلحة ضد المتظاهرين”، وتشهد على ذلك آلاف السيارات العالقة على طريق الجنوب تناشد الدولة كل يوم على مدى أشهر خلال العام المنصرم فتح الطريق للسالكين! ثم يكل بساطة يُتّهم الحزب بعرقلة التحقيق ومنع الوصول إلى العدالة في انفجار مرفأ بيروت، وكأن الحزب هو الجيوش الغربية الأمنية التي جاءت وحققت، وكأن الحزب هو القاضي بيطار الذي يخفي النتائج، وكأن الحزب هو قائد الجيش.
قراءة مشروع الكتائب الانتخابي أشبه برحلة ترفيهية، مليئة بالنكات والمزاح، فتحرير جنوب لبنان بفعل المقاومة، يصبح في هذه الرحلة “جلاء القوات الإسرائيلية”، وعدم تدخل الحزب في ترسيم الحدود البحرية -وهو ما أكد عليه أمينه العام مرارًا وتكرارًا- يصبح في مشروع الكتائب ليس فقط تدخلًا، بل وصل إلى “إشراف الحزب على ترسيم الحدود”.
عقدة الكتائب اللبنانية هي سوريا، ولا نحتاج لبحث تاريخي يربط سوريا بحرب لبنان ووجع الكتائب. يكفينا النظر إلى الذي تمثله سوريا بالنسبة لحزب الله لنعرف ما تمثله سوريا بالنسبة للكتائب، إذ وصلت بهم الحال اليائسة، بحسب بيان مشروع الكتائب، إلى “اللجوء إلى كل الوسائل الدبلوماسية لاستعادة الأراضي اللبنانية المتنازع عليها، ويبدأ ذلك أولًا بتنفيذ سوريا قرار مجلس الأمن الذي يطالبها بتسليم لبنان والأمين العام للأمم المتحدة الوثائق التي تثبت الملكية اللبنانية لهذه الأراضي ومداها”، فتناست كتائب بشير الجميل أن للبنان أراضي تغتصبها “إسرائيل” أيضًا، وأن إسرائيل تخرق السيادة اللبنانية يوميًا بحرًا وجوًا وبرًا.
أختم بجملة متلعثمة وردت في مشروع الكتائب الغضبانة وهي أن “التوافق السياسي أدّى إلى تقسيم موارد الدولة على الزعامات الطائفية المتناحرة في البلاد وإرساء اقتصاد ريعي يقتات على دولة يعصف بها الفساد”، وما زلت أبحث لهذه الجملة عن تفسير وتحليل.
الانتخابات قادمة، وحزب الله سيكون الرابح الأكبر، وستفشل كل محاولات إضعافه، كما فشلت سابقًا، هذا تحصيل حاصل منذ العام 82 عندما انطلق هذا الحزب مؤمنًا بأرضه ووطنه، واثقًا بنفسه سيّدًا حرًّا في دنياه وعلى أرضه، وهذا طريق واضح المعالم، معروفة المخاطر فيه ومعلومة أثمانه، فمن يريد سلوكه عليه ألا ينظر وراءه، وألا يلتفت إلى زخارف الحياة، في بداية الطريق عليه أن يقتل دنياه ويمضي.
بكل بساطة، خصوم الحزب في لبنان، يستسهلون مخاصمته لأنهم يستصعبون سلوك هذا الطريق، يجدون أنفسهم غير قادرين على قتل دنياهم، فمن الجنون أن يسكنوا بالإيجار أو يكونوا مديونين أو ممنوعين من السفر حيثما يريدون أو عدم امتلاك قصور وعقارات في بلاد العالم او أن يقدّموا أرواح أبنائهم.