لم يكن لبنان يومًا محطّ أنظار وأطماع الدول الصديقة والعدوة عن عبث، أو لأسباب مجهولة ومبهمة، أو بمحض الصدفة، إذ إن هذا البلد الصغير بحجمه ومساحته، كبير بثرواته الظاهر والباطن منها، غني بمناخه وطبيعته، وها هو اليوم واعدٌ بثروة نفطية وغازية قابعة في أعماق بحره، بانتظار بصيص أمل أو شُعلة حرب.
الذهب الأسود.. بانتظار أن يبصر النور
تقدر الثروة النفطية والغازية في لبنان بكميات هائلة؛ فهي قد تصل الى 96 تريليون قدم مكعب من الغاز و900 مليون برميل من النفط، أي ما يقدر بحوالي 600 مليار دولار غازيًا وحوالي 450 مليار دولار كعائدات نفطية.هذه العائدات كفيلة بإحداث ثورة اقتصادية في البلد وانتشاله من قاع الانهيار والافلاس والمضيّ فيه قدمًا على طريق التقدم والنمو والتطور.
وإذا أردنا معرفة أهمية هذه الثروة النفطية والغازية على المدى القريب والبعيد على واقع الاقتصاد اللبناني، يكفي أن نذكر بعض التأثيرات الكبيرة جدًّا لها، ولعلّ أهمها تأمين الموارد المالية الضخمة للدولة والعمل على سد عجز الدين العام المتراكم عليها، فضلًا عن إحداث تغيير جذري في الدخل القومي والمستوى المعيشي للمواطنين بالاضافة الى انخفاض كبير لمعدلات البطالة، أضف الى ذلك انخفاض معدل الاستيراد من الخارج بشكل كبير مما يساهم في خفض عجز الميزان التجاري، والتحسن الملحوظ الذي سيطرأ على سعر صرف العملة الوطنية بسبب توفر الرساميل الأجنبية، والأهم هو دخول لبنان ضمن مجموعات الدول النفطية وتعزيز ثقته مع دول العالم.
النضال سبيل للحياة.. والنفط
على الرغم من الأهمية الكبرى لهذه الثروة النفطية والغازية إلا أن عدم استغلالها لحد الآن يجعلها بلا جدوى حاليًا، رغم أن الاقتصاد اللبناني هو في أمسّ الحاجة لها وأكثر من أي زمن مضى. ولأن هذا البلد كتب عليه النضال منذ الازل، وفي كل زمن، في سبيل استرجاع حقوقه والحفاظ على ممتلكاته وأرضه، فإن قضية وجود ثروة نفطية لديه محكومة أيضًا بمبدأ النضال والمقاومة؛ ففي الوقت الذي يحتاج فيه اقتصاد البلد الى بصيص أمل لإنعاش ما تبقى من روح فيه، ثمّة دول وأطراف عديدة تحاول الضغط عليه ومنعه من استخراج ثروته النفطية لاعتبارات عديدة أبرزها سياسي، فضلًا عن السعي المستمر للضغط عليه واجباره على اللجوء الى صندوق النقد الدولي ليكون بالتالي تحت رحمة هذا الأخير سياسيًا وماليًا.
والأهم في كل ما ذُكر، هو الأطماع الإسرائيلية التي لم تخمد يومًا تجاه لبنان وثرواته. ولعلّ مسألة ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة هي ابرز الأوراق التي يحاول العدو المناورة بها وتأخيرها وعرقلتها في سبيل تحقيق مكاسب إضافية له والتغاضي عن التعديلات الجديدة المقدّمة من الوفد اللبناني والتي تعطي المزيد من المكاسب لحساب لبنان.
وأمام هذه التحديات، فإن الواقع يستدعي اتخاذ موقفٍ جريء من الحكومة اللبنانية والجهات المعنيّة بالتوجه شرقًا والاستفادة من العروض المقدمة ووضع مصلحة لبنان فوق أي مصلحة داخلية وخارجية وتقديم أنواع الدعم المعنوي واللوجستي والسياسي كافة للوفد اللبناني المفاوض للتمسّك بحقوق لبنان وعدم التنازل عن أي مكسب له في البر والبحر.
ما زالت قضية استخراج النفط والغاز من المياه الإقليمية اللبنانية حلمًا لدى المواطن اللبناني، كغيرها من الأحلام التي لم تبصر النور أبدًا، بل طُحنت وتبخرت جميعها في ربوع وطنٍ تهالك فيه البشر قبل الحجر، هذا البلد الذي نُهبت ثروات شعبه من قبل حكام الشعب وزعمائه، هذا البلد الذي قال فيه رجل الأمة الصادق الامين “البلد المنهوب لا المفلس”، ونحن به ومعه ما زال لدينا أمل أن نبقى ونحيا في ما تبقى من وطن.