جامعة الوطن تحاكي مصير الوطن

لم تعد جملة “طالب الجامعة البنانية” تعكس الصورة القوية والمتينة لطالب تعب وسهر وتعلم ووصل بعلمه لا بماله، بل أصبح هذا اللقب معبرًا عن واقع مؤلم ومُقلق وعن طلاب ضاع مستقبل بعضهم، ومستقبل بعضهم الآخر مهدد بالضياع والمجهول.

“جامعة الوطن” التي حققت باحتضانها لكافة أبناء هذا الوطن ما عجزت عن تحقيقه أحزاب السلطة وفئاتها وطوائفها، ها هي اليوم تواجه مصيرًا خطيرًا ومستقبلًا مجهولًا بعد أن عصفت بها كما غيرها من المؤسسات رياح الأزمات والانهيارات والتصدّعات.

جامعة بحجم وطن
تأسست الجامعة اللبنانية عام 1951، وهي تعتبر الجامعة الحكومية الوحيدة في لبنان. ولم تُستثن من تجارب الحرب التي شهدها تاريخ لبنان، لا سيما الحرب الأهلية، حيث تشعبت عنها العديد من الفروع في مناطق لبنانية مختلفة بعد هذه الحرب.

يقدر عددد طلاب الجامعة اللبنانية بـ 70.000 طالب تقريبًا، موزعين على اختصاصات عديدة في مجالات مختلفة. ولأن الجامعة اللبنانية هي جزء لا يتجزأ ومهم وأساسي من مؤسسات الدولة، كان لها نصيب وافر من الانعكاسات الخطيرة للانهيار الاقتصادي الحاصل في البلاد، والذي سبّب حالة من الحرمان والتقشف وغياب المسؤولية والدعم اللازم لهذا الصرح التعليمي.

لم تكن أوضاع البلاد الاقتصادية الراهنة وحدها سببًا في ما وصلت إليه الجامعة، بل إن الأمر يأخذ منحًى أكثر عمقًا وبعدًا، يتمثل في تدمير التعليم في هذا البلد ومعه مستقبل الآلاف من الطلاب اللبنانيين. ولعل أبرز المظاهر الدالة على ذلك الميزانية التي خصصتها الحكومة للجامعة اللبنانية في موازنة 2021-2022، والتي تدل على وجود تآمر معلن لناحية دعم الجامعات الخاصة على حساب الجامعة اللبنانية التي باتت مهددة بالإقفال.

يذكر النائب الدكتور ايهاب حمادة، في مقابلة له حول واقع الجامعة اللبنانية ومستقبلها، أن الموازنة المخصصة للجامعة تكاد تكفي بدل صيانة ومحروقات، علمًا أن في كل الموازنات جرت مضاعفة بدل المحروقات 20 مرة تماشيًا مع الارتفاع الكبير في سعر الصرف، كما ذكر أن المبلغ المرصود هو 376 مليار ليرة وهو مبلغ يفترض ان يغطي الرواتب والتعويضات والمصاريف التشغيلية والصيانة وغيرها من الأعباء، وهذا المبلغ يساوي اليوم 18 مليون دولار، وهو لا يكفي بدل صيانة ومحروقات.

أنقذوا جامعة الفقير
رغم كل الصعوبات والمشاكل التي تواجه كيان الجامعة اللبنانية اليوم، الا أنه لا زال هناك امكانية لتحقيق شيء من الاصلاح والحلول السريعة بهذا الشأن، لعل أبرزها تحقيق العدالة في تحديد ميزانية الجامعة اللبنانية وتعديل أجور الأساتذة المتعاقدين فيها وبدل النقل الخاص بهم، والأهم من كل ذلك ابعاد الجامعة عن المشاحنات والاشتباكات السياسية والبت السريع في ملفات التفرغ العالقة، وتعاطي الحكومة بجدية بالغة مع ملف الجامعة اللبنانية لا باستهتار. يذكر أن ما يقارب الـ 13000 طالب قد تسربوا مؤخرًا من كليات الجامعة.

تواجه الجامعة اللبنانية اليوم معركة حقيقية مصيرية، تتمثل بمعركة البقاء والاستمرار والعطاء، هذه الجامعة التي وحدت اللبنانيين واحتضنتهم كما لم يفعل زعماء السلطة والأمة، صنعت منهم رواد علم ومعرفة، كبرت بهم ومعهم حتى باتت مثلًا يحتذى به، وها هي اليوم تصارع لاحتضان آلاف الأحلام التي لم يسعها وطن، فتبنّتها جامعة بحجم وطن.

اساسيالجامعة اللبنانية