“الحق في الصحة”.. حلمٌ لبنانيّ تبخّر

مع دخول البلاد في نفق المجهول ووصولها الى مرحلة الانهيار الاقتصادي الذي تهالكت معه قطاعات الدولة الخدماتية والانتاجية كافة، كانت للقطاع الصحي الحصة الأوفر من هذا الانهيار لا سيما بعد التداعيات الحادة التي سببتها جائحة كورونا والتي أثقلت كاهله واستنزفت كل طاقاته البشرية والمادية.

الاستشفاء حق حصري للأغنياء
“الصحة حق للجميع “، شعارٌ افتقد مصداقيته منذ سنوات في هذا البلد، إذ إن حق الاستشفاء بات حكرًا على الأغنياء المقتدرين بعدما أصبحت تكاليفه مرتفعة جدًّا على المواطن اللبناني. ففي دراسة أعدتها نقابة المستشفيات الخاصة في لبنان حول الواقع الصحي، تبين أن الوضع الصحي وصل الى درجة عالية من الخطورة، وتكشف الدراسة أن 30% من أسرّة المرضى في المستشفيات الخاصة قد أغلقت، وتراجعت نسبة إشغال المستشفيات الى 55 %، نظرًا لنقص الخدمات، وانخفض عدد العمليات الجراحية بنسبة 37%. وفيما يتعلق بالعناية الفائقة المخصصة لحديثي الولادة أشارت إلى أن هناك مشكلة في فقدان الأدوية ونقص ملفت في عدد الممرضين والأطباء المختصين، وتوقعت أن تزداد هجرة القوى العاملة من ممرضين وأطباء الى مستويات عالية خلال الفترة المقبلة.

وعلى مقلبٍ آخر، فإنه لا يمكن الحديث عن الانهيار الحاصل في القطاع الصحي بمعزل عن أزمة رفع الدعم عن الأدوية في البلاد، هذا القرار الذي يعني حرفيًا الموت السريري البطيء للمواطن اللبناني الذي تُرك متخبطًا في المجهول، مشغولًا في تأمين لقمة عيشه وتكاليف علاجه الذي في أحيانٍ كثيرة، لا يجد إليه سبيلًا، فأسعار الأدوية ارتفعت حاليًا بمعدل فاق الثمانية أضعاف عما كانت عليه في العام 2019، وهذا الارتفاع ما زال مستمرًا دون رقابة أو محاسبة. وتشير الإحصاءات أيضًا إلى أن 70% من سكان لبنان غير قادرين على تحمل أعباء تكاليف الأدوية والاستشفاء.

الحلول المؤقتة خيرٌ من الموت
لا شك أن قطاع الأدوية في لبنان مصابٌ بمتلازمة التهريب ومتلازمة نقص الدولار، فقد أوضح رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عصام عراجي، أن أسباب وصول القطاع لما هو عليه اليوم يعود الى انهيار العملة وتراجع كمية الواردات الدوائية لنقص الدولار من جهة، والتهريب الحاصل من جهة ثانية، إذ ثمة كميات كبيرة من الادوية المقطوعة يتم تهريبها الى الخارج، وإن كنا نتحدث عن حلول فإن أبرزها سيكون إيقاف عمليات التهريب الحاصلة واتخاذ الحكومة إجراءات لإعادة الدعم للأدوية الأساسية وادوية الأمراض المزمنة.

من جهة أخرى، فإن دعم صناعة الأدوية المحلية يحل جزءًا من المشكلة، إذ ثمة عدد كبير من مصانع الأدوية المحلية مهدد بالإقفال والتوقف عن العمل.

أما على صعيد القطاع الاستشفائي، فإن اكثر الحلول فعالية حاليًّا هو تأسيس صندوق دعم للقطاع الصحي الاستشفائي واستقبال الدعم والهبات من الجهات الأجنبية، التي قدمت العديد من المبادرات والاقتراحات بهذا الشأن، والاهم إبعاد هذا الملف عن المشاحنات السياسية القائمة، لا سيما وأن المواطن اللبناني اليوم بات عالقًا بين صندوق الضمان الاجتماعي المفلس وبين رحمة شركات التأمين التي تفرض تكاليف باهظة.

كُتب على اللبناني منذ وُجد حق النضال، النضال لاسترجاع أرضه وأمنه وكرامة عيشه، ولكنه اكتشف فيما بعد أن النضال ليس حقًا أو خيارًا، بل فرض وواجب عليه، أن يناضل ليأكل ويشرب ويتعالج ويتعلم، أن يناضل ليجد نفَسًا له في هذه الأرض، بعد ان خنقت سلطة الفساد والظلم والقهر أنفاسه.

اساسيلبنانوزارة الصحة