لماذا نكتبُ عن مقطع صوتيّ لشابٍّ لم يبلغ العشرين من عمره؟
السّر الذي دفعَ يوسف حدرج وأخويه لا بل بيتهم بأمّه وأبيه لأن يسلكوا طريقًا لم تكُن واضحة إلّا لمن امتحن الله قلوبهم بالإيمان في ذلك الزمن لم تتكشّف حقائقه إلى يومنا هذا، شاركتهم في ذلك بيوتٌ قليلة، ومنها من دفعَ بثلاثةٍ من أبنائه إلى مثلّث خلدة على حين غرّة ليصدّوا الغزو الآتي من الجنوب بوقار الشّيخ الطّاعن في السّن والحافر في قلب التاريخ اسمَ الله، رُوح الله الخميني.
يعُود تاريخ التسجيل الذي عادَ إلى الضّوء حديثًا على أقلّ تقدير إلى العام ١٩٨٤، ما قبلَ الإعلان الرّسمي عن رسالة حزب الله المفتوحة إلى المستضعفين في العالم، ليكون والتسجيل الذي عرضته قناة المنار بصوت الشّهيد عبد المنعم قصير -الذي استُشهد عام ١٩٨٣- والتسجيل الذي نشره موقع العهد الاخباري لشيخ شهداء المقاومة الإسلامية الشهيد القائد الشيخ راغب حرب (قدس سرّه) جزءًا من معركة كتابة التاريخ للحالة الإسلاميّة والتي باتت وجودًا يصعبُ اجتثاثه كما قالها الشّهيد القائد الحاج عماد مغنيّة (طابَ ثراه) صراحةً.
وبالعودة إلى التسجيل، فصاحبهُ، يوسف عبد الحسين حدرج، الذي ينحدر من بلدة البازورية قضاء صور، كانَ من طليعة الشباب المؤمن في تلك الفترة، وقد برزَ في محيطه على تلك الحالة، حيثُ امتلك موهبة الإنشاد والصّوت الحسَن في اللطميات الحسينية والاناشيد الإسلاميّة، والتي كانت بدايتها الفعليّة في الساحة اللبنانية مع انبلاج فجر حزب الله في لبنان، الأمر الذي لفتَ الإخوة من حرّاس الثورة الاسلامية فاستعانوا به في هذه المهمّة، إضافةً إلى مشاركته في الدورات التدريبية مع الحرس في البقاع بعد عبوره من سوريا إلى لبنان.
تبدو كلمات النشيد، والذي حملَ اسم لازمته “كثُر الفساد”، بسيطةً بالمقارنة مع الأناشيد التي كانت الحالة الاسلامية في لبنان تستعين بها سواءٌ من الاناشيد الاسلامية العراقية أو أناشيد الحركة الاسلاميّة السُنيّة كنشيد “أُماه ديني” الذي أنشدهُ الشّهيد صالح حرب في أسبوع الشهيد عبد المنعم قصير في مسجد الإمام الرضا (عليه السّلام) في بئر العبد، الأمر الذي يَشي بإمكانية أن يكون يوسف أو أحد رفاقه المبتدئين قد كتبهُ، وفيه إشارةٌ واضحة إلى تسمية “حزب الله” التي لم تكُن واضحةً في ذلك الحين.
استُشهدَ يوسف حدرج في مثل هذه الأيّام من عام ١٩٨٥، ولم يكن قد مضى على شهادة أخيه محمد أكثر من أربعين يومًا، بلحاظ أن يوسف هوَ الذي جهّز جسد أخيه ليُنقَل من الجنوب إلى بيروت بعد مواجهة رائعة مع العدو الصهيوني عجز فيها العدو عن القتال وجهًا لوجه فاستعان بالمروحيّات، وكان ذلك يومًا مشهودًا لقُرى “القبضة الحديدية” في قضاء صور.
ومع شهادة يوسف، ورُبما قبلها، بُثَّ النشيد كنشيدٍ رمضاني يحملُ هوية الحزب الذي خرجَ إلى العلن بعد صدقات السّر التي دفعها. ويُروى أن اثنين من السّابقين في الانضواء تحت لواء الحزب الجديد جنوبًا تكفّلا بمهمة بثّ النشيد في السيارة، وقد كلّفهما الأمر ما كلّف في حينها، واعتبر البعض أن المشكلة لم تكن في النشيد نفسه بل في اسم حزب الله الذي وردَ فيه فأغاظَ وما زالَ يغيظُ كل منافقٍ وعميل ومن على قلبه غشاوة.
يعودُ يوسف بذكرى شهادته وفي ليالي رمضان بصوته الذي تناقله الكثير من أبناء الجيل الثالث للحزب، ليُرجعوا بعضًا من الجيل الأوّل لنوستالجيا السّيارة المتجولة، ما قبل الإذاعة، والضريبة المدفوعة سلفًا، وليعودَ الجميع إلى بداية الطريق. ما نكتبهُ هو للغاية نفسها، لكي يعرفَ الكلّ أن ما وصلنا إليه على طبقٍ من ذهَب كلَّف أجسادًا ورجالًا وعذاباتٍ كانت معدن ذلك الذهب المتألق اصفرارًا في رايتنا، ويتمّ الله نورَه، ولو كرهَ الكافرون.