التاريخ والحاضر دروس مفيدة للمستقبل

“شعب واحد في بلدين”. لم تكن هذه المقولة مجرّد جملة عابرة في تاريخ العلاقة بين سورية ولبنان، تلك العلاقة التي حكمتها ظروف سياسية متعددة إلى أن نضجت عبر معاهدة “الأخوّة والتعاون والتنسيق” التي وقعت بين البلدين عام 1991 والتي نصّت على الروابط الأخوية المميزة التي تربط البلدين والتي تستمد قوّتها من جذور القرب والتاريخ والانتماء الواحد والمصير المشترك والمصالح المشتركة.

وقد تجسّدت تلك العلاقة عبر جوانب متعددة منها الجانب العسكري والأمني، حيث قدمت سورية الدعم العسكري للجيش اللبناني باعتباره مؤسسة وطنية. وقد برز هذا الدعم من خلال إقامة دورات تدريبية لعدد من عناصر وضباط الجيش اللبناني ودورات قيادة الأركان حيث ساهم الجيش السوري بتوجيه من القيادة السورية بتدريب وتأهيل الجيش اللبناني، كما ظهر التعاون في تزويد الجيش اللبناني بالذخيرة خلال عملية تطهير مخيم نهر البارد إضافة لضبط الحدود ومنع تسلل العناصر الإرهابية إلى البلدين خلال مواجهة الجيش السوري للتنظيمات الإرهابية.

ولم يتوقف الدعم السوري على الشق العسكري، بل اتخذ شكل الدعم الأمني عبر تبادل المعلومات والتنسيق المباشر لمتابعة العديد من الملفات الأمنية بما فيها كشف عمليات التجنيد الإرهابي التي كانت تتم في لبنان.

اليوم، وفي ظل المتغيّرات السياسية الأخيرة في المنطقة حاولت بعض الجهات السياسية في لبنان، والتي تتبع للإدارة الأميركية، التشويش على العلاقة بين سورية ولبنان، إلا أن الحقيقة واضحة ولا يمكن تجاوزها.

وانطلاقًا من حقيقة أن سورية هي الشريان الأساسي لبنان، أعلن حزب الله اللبناني عام 2012، وبالتنسيق مع القيادة السورية، الاشتراك بنسق دفاعي، بالحرب الكونية التي كانت تتعرّض لها سورية، وبذلك ارتسمت مرحلة جديدة من العلاقة بين البلدين قائمة بشكل أساسي على استراتيجية تتصل بمحور المقاومة وتُشكِّل سورية حلقتها الأساسية، مدفوعة بأسباب جيواستراتيجية تتعلّق بالحدود اللبنانية مع سورية، وأيضًا، بما يتصل بدور الحزب ودمشق ضمن المحور المقاوم لـ”إسرائيل”، وبهذا المعنى فإن التكامل الميداني الذي حصل بين وحدات حزب الله والجيش العربي السوري يتكامل مع دورها المقاوم ربطًا بحقيقة أن ما كان يُرسم لسورية أولًا، وتاليًا للبنان، فيما لو نجحت المؤامرة على دمشق، يستهدف من ضمن ما يستهدفه، تحقيق المشاريع التي تستفيد منها “إسرائيل” وعلى رأسها التخلّص من قوى المقاومة في المنطقة، وعمقها الجغرافي والسياسي المتمثّل بسورية ودورها.

في المحصّلة، يبدو أن التعاون بين لبنان وسورية انطلاقًا من التجربة الأخيرة في الحرب الكونية على سورية قد نجح. وعليه، فإن خيار المقاومة الذي اتخذه الطرفان قد ربح، وربح معه لبنان على وجه الخصوص. تجلّى ذلك الربح أخيرًا في كسر حصار قانون قيصر، واستفادة لبنان كثيرًا من هذا الكسر، الذي وضع الإدارة الأميركية ورهاناتها في موقف مربك، وفتح كوّة في جدار الاستسلام لإرادة واشنطن.

فهل هناك من لا يزال يشك بأن العلاقة مع سورية هي خير للبنان ولسورية معًا؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتّم العمل على القيام بإجراءات سريعة وفعّالة من أجل إعادة العلاقات بين بيروت ودمشق إلى حالتها الطبيعية، خصوصًا وأن الدستور اللبناني ينصّ على علاقات مميزة بين البلدين، بعيدًا عن إملاءات السياسات الأميركية التي لا تأخذ مصلحة لبنان في عين الاعتبار، بل المصلحة الإسرائيلية الخاصة.

لا يغيب عن بال أحد أن الولايات المتحدة تسعى منذ مدّة إلى تخريب العلاقات اللبنانية السورية، وهي نجحت في ذلك إلى حدّ كبير وفي بعض المراحل خصوصًا فيما تلا اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وكانت واشنطن واضحة في الإعلان عن نواياها ورغباتها إزاء تخريب العلاقة بين البلدين، إذ قال مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن جون بولتون، خلال مناقشة القرار 1680 في 16 أيار 2006 الذي سعى إلى تكريس تدويل لبنان، إن “المرحلة المقبلة مملوءة بالتحوّلات الكبيرة وعنوانها الأساس الفصل التام بين لبنان وسورية”، وهو إعلان واضح وصريح عن توجّهات إدارته للفصل بين لبنان والدور الإقليمي لسورية القائم على أساس خيارات مضادّة للخيارات الأميركية.

هنا دعوة إلى المسؤولين اللبنانيين خصوصًا من أجل تغليب مصلة لبنان، والتحرّر من هاجس الخوف والاستسلام للسفارة الأميركية والسفارات العربية الأخرى المؤتمرة بأوامر واشنطن. فإن الخوف من غضب السيّد الأميركي لم تعد مبرّرة، ولا يجوز أن تبقى أولوية تفوق المصالح الوطنية وحاجاتها الماسّة، خصوصًا في هذه المرحلة من عمر المنطقة، حيث الأميركي لم يعدّ ذلك البعبع المخيف، وحيث تثبت التحارب من فييتنام إلى إيران الشاه، مرورًا بأفغانستان وصولًا إلى أوكرانيا، وقبلها لبنان الثمانينيات، أن الأميركي يبيع أدواته عند أول منعطف، واليوم، بدأ هذا المنعطف يلوح في أفق المنطقة.

اساسيسورياسوريةلبنان