سورية ولبنان .. الأمن المشترك يهدد “الكيان المؤقت”

“استقرار في سورية ولبنان يعني لا استقرار في الكيان المؤقت، والعكس صحيح”. هذه قاعدة منطقية وواقعية لبلدين يعاديان كيانًا أنشئ زورًا على حدودهما، بل واحتل جزءًا من أراضيهما.

طوال أعوام الصراع، وفي مراحل عدة، لم يكتف العدو الاسرائيلي بالحروب المباشرة، بل عمل على محاولة ضرب الأمن والاستقرار وبأساليب مختلفة، وأعانه على ذلك دول عدة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.

قبل عام 2005 كانت الأوضاع لا تعمل لمصلحة الاسرائيليين، خاصة بعد إنجاز المقاومة تحرير جنوب لبنان عام 2000 ودخول لبنان مرحلة جديدة من الهدوء والأمن مع إنجاز التحرير دون غياب التهديد.

منذ تلك اللحظة بدأ الإسرائيليون الإعداد لحرب ضد المقاومة وبالتالي لبنان، وكانوا يحتاجون إلى عامل مساعد لهم على قاعدة: يجب أن نأتيهم (اي للمقاومة) من الخلف.

القدوم من الخلف، أي من الداخل اللبناني، عبر تسعير الاشتباك السياسي وخلق توترات أمنية، يصعب على الكيان تنفيذه بشكل مباشر لأسباب عدة وعلى رأسها النظرة المعادية لوجوده في كلا البلدين وطغيان مفهوم العداء له ولوجوده. بالتالي هو بحاجة إلى طرف آخر للقيام بهذا الدور، ولن يجد أفضل من الولايات المتحدة الأميركية لتحقيقه.

عام 2011 حضر الأميركيون إلى المنطقة من بوابة أفغانستان. الأمر كان يشي بعصر أميركي قد بدأ. على اثره تحركت واشنطن على أكثر من جانب داخل لبنان. محاولتها الأولى تمثلت بالسعي لاحتواء المقاومة عبر تقديم السلطة والمال لها مقابل التخلي العملي والفعلي عن مقاومة الكيان المؤقت ودعم الفلسطينيين والتخلي عن سلاح الصواريخ، وسرعان ما فشلت. في تلك المرحلة ترافقت هذه المحاولة مع بدء تصعيد بعض القوى المحلية خطاب العداء ضد الوجود السوري، من بوابة التصويب على ما أسمته “النظام الأمني السوري اللبناني”، وهو ما ترافق مع استنهاض قوى كانت حتى الأمس القريب على علاقة طيبة بدمشق، ومرجعيات دينية محددة.

عام 2003، ومع غزو واشنطن للعراق، ازدادت الحملة على البلدين المترابطين بشدة وفق قاعدة المسير والمسار المشترك من قضايا المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ومن ينسى حضور “كولن باول” وزير الخارجية الاميركي آنذاك، ووضعه ورقة أمام الرئيس السوري بشار الأسد تتعلق بالمقاومة وتحالفات دمشق؟

رفض الورقة الأميركية، فتح الباب على مصراعيه أمام استصدار قرار دولي وهو 1559 والذي يستهدف، ليس فقط نزع سلاح المقاومة وخروج سورية من لبنان، إنما تفكيك العلاقة بينهما، وجعل لبنان منطلقًا للتصويب نحو دمشق، وهو ما حصل لاحقًا، خاصة بعد عملية اغتيال الشهيد رفيق الحريري عام 2005 واستعار تلك الحملة واتهام دمشق بالعملية الارهابية يومها.

رغم المتغيرات التي حصلت على صعيد المنطقة، لم ينجح الأميركيون في فك العلاقة بشكل قوي لأسبابب كثيرة وعلى رأسها قوة وحضور المقاومة والقوى التي ترى سورية عمقًا استراتيجيًا لها وللبنان.

عام 2011، بدأ الغرب ودول عربية وإقليمية حربًا على سورية، مع حصار، وإفلات يد الارهاب، ودعم المناهضين للدولة في سورية. هذه الهجمة ومع تصاعدها واتخاذها مسارًا عنفيًا كبيرًا، بين أن لبنان بات مهددًا، وأن أي متغير في دمشق سيعني محاصرة لبنان ومقاومته وبالتالي تمهيد الأرضية للانقضاض عليها.

دخول حزب الله المعركة إلى جانب دمشق من منطلق حماية لبنان وظهر المقاومة، عطل الكثير من تلك المساعي. لكن وُضع البلدين أمام حقيقة الحاجة الأمنية المشتركة، فانفلات الأمور في أي من البلدين ينعكس على الآخر، وهو ما اختبر في سنوات الحرب الأولى إذ اتخذ الارهاب بداية من بعض مناطق لبنان منطلقًا للدخول إلى سورية، وبعد تمكنه هناك، عاد ليرتد الى لبنان عبر تنفيذ هجمات ارهابية في أكثر من منطقة بزعم الضغط على المقاومة للخروج من سورية.

مع استعادة سورية وحلفائها زمام المبادرة، وتحرير المناطق المشتركة عند الحدود اللبنانية السورية، عاد الأمن إلى لبنان وجزء كبير من مناطق جنوب غرب سورية، وهو ما أزعج الاسرائيليين، إذ تصرفوا على أنهم تعرضوا إلى ضربة كبيرة.

ما تقدم من سرد، ولو بشكل مقتضب، يوضح أن الأمن المشترك حاجة أكثر مما هو مصلحة. فعودة الأمن ستعني عودة الاستقرار على صعد عدة، وبالتالي ستصب في خانة التأثير على الكيان المؤقت الذي يعلم أن التعافي الأمني في كل من سورية ولبنان، سيعني إضرارًا بأمنه، ومن بوابة المقاومة حصرًا.

وعلى صعيد مقارعة الارهاب، فلبنان بحاجة إلى سورية وهي كذلك، لبتر يد التطرف الذي لا تخرج أعماله عن تحقيق مصالح أميركية وبالتالي اسرائيلية.

في هذه المرحلة، ومع عدم انتفاء الارهاب، لا بد من عودة التنسيق الأمني بين البلدين، ضمن المؤسسات الرسمية، إلى سابق عهده، ورفع مستوى التنسيق إلى حدوده القصوى. ليس سرًّا أن أبواب دمشق مفتوحة، ويبقى على لبنان الدولة النظر من بوابة المصلحة الوطنية وتحرير قراره من السطوة الأميركية التي تعمل لمصلحة الكيان المؤقت.

اساسيسورياسوريةلبنان