كالعادة تظهر للعلن نقاط الضعف في الدبلوماسية الغربية وبالأخص الأميركية منها، التي تفاوض حتى تنقل بلدًا من معسكرٍ إلى معسكر دون تعريفه بالتبعات التي سيجرّها الانتقال المبدئي هذا، لأنّ الانتقال من الشرق إلى الغرب في الحقيقة هو اإنتقالٌ من مبدإ إلى مبدإ.
هذا حصل مع مصر وتشيلي وغيرهما، مصر نفسها التي وقّعت على اتفاقية فصل القوات مع العدوّ الاسرائيلي في السبعينيات ووقّعت كامب دايفيد بعدها، تُركت لمصيرها مع شعبها الذي لم يرضَ بالتنازل عن الصراع مع العدو، وبالتنازل عن فكر عبد الناصر القوميّ. أين مصر اليوم؟ مِصر أقوى دولة عربية حينها، مصر التي كانت سترأس الدول العربية في السبعينيات لولا أن قام السادات ولدواعٍ شخصية بالارتماء في حض أميركا.
مصر اليوم ونتيجة هذا الارتماء ضعيفة، ضعيفة جدًا.
حينها، وبالتحديد في العام ١٩٧٣، عندما قرّر السادات المضيّ بالسلام المنفرد وترك سورية الأسد وحيدة، لم يتنازل الرئيس حافظ الأسد عن موقفه بضرورة تسوية عربية كاملة، وإلا، فأهلًا بحرب الاستنزاف حتى الرمق الأخير.
جولاتٌ مكوكية قام بها كيسينجر وزير الخارجية الأميركي حينها دون نتيجة، لم يرتمِ الأسد في حضنه، كان يفاوض مع هنري كيسينجر كونه سوريًّا يشكّل قوّة إقليمية بجيشِه الباسل وشعبه المناضل، ولذلك سورية بقيت سورية المبادئ الثابتة، والتي لا تغيّرها ظروف المنفعة التي تفرض نفسها في العادة على المنهزمين في قرارةِ أنفسهم، تمامًا كأنور السادات المهزوم.
بعد عشرين سنة تقريبًا قام كلينتون بإعادة البحث في ملف المفاوضات مع الأسد ولكن أيضًا دون جدوى.
لا أدري أي فضل جُلب لمصر بعد انتقالها من معسكر الشرق لمعسكر الغرب.
وكذلك أوكرانيا التي انتقلت من معسكر الشرق حين انفصلت عن الاتحاد السوفييتي، أين هي الآن؟ وأوامر من تتّبع؟ وقد رأينا كيف تركت لمصيرها اليوم، وهذا يعني أنّ التاريخ يعيد نفسه، من يلتحق بالأميركي سيترك لمصيره دون معونة، فهل من معتبر؟
الدبلوماسية الأميركية تتكرّر منذ زمن إلى يومنا الحالي، يمارسها الأمريكيون بالكذب على القادة الضعفاء الذين لا مبدأ يحدّهم، يغرونهم بالوعود والأموال، ويستغّلون نقطة ضعفهم وهي الجهل المركّب لأولئك القادة الضعفاء بأنّ “أميركا سيّدة العالم”.