أخافتهم صورة من أخاف ربّهم الأميركي، فأفرغوا فيها كلّ بشاعة ذلّهم المكبوت.
هتفوا زورًا لحريّة لا يعرفون معنى لها، ويجدونها فقط في قفص أعدّه الأميركي لهم وللمدينة ولكلّ البلاد، وما علق في قفصه سوى من اختارهم حرّاسًا وسجّانين.
منذ يومين والامتعاض من حضور محور المقاومة في الفعاليات الثقافية المرتبطة بمعرض بيروت الدّولي للكتاب يتفاعل، بل منذ زمن طويل والمتأمركون في البلد يمتعضون من كلّ ما يشير إلى الشرف ومن كلّ دلالات العزّة التي قاومت وتقاوم، وانتصرت وستظلّ تنتصر.
أوباش عوكر تداعوا إلى خوض معركة ضدّ صورة، وظنّوا “المودّة” دارًا سهلًا بإمكانهم انتهاك حرمته. هم في الحقيقة يبحثون عن أي “مشكل” ليخرجوا منه أبطالًا، عسى أن ينالوا تنويهًا من شيا، أو يُحتسب لهم الربح في ميزان الدفع “عالقطعة وعالراس”.
ما أرخصهم! حتى البلطجية في الحارات البعيدة يمتلكون شرف الخصومة إذا خاصموا، أمّا هؤلاء، فلا صلة بينهم وبين أي نوع من الشرف، حتى شرف الساقطات إذا سال دمعهن حزنًا على البلد في موقف وطني منكسر.
دخلت العصابة إلى المعرض. تماهى أفرادها مع الزوّار الذين يقصدون المعرض لشراء الكتب أو للاطلاع على الإصدارات الجديدة أو حتى لمجرّد التجوّل بين الكتب. وما إن وصلوا إلى جناح دار المودّة حيث رُفعت صورة العزيز، الذي يرعبهم شهيدًا كما أرعبهم وأرعب أسيادهم قائدًا وجنديًا في جيش الحق، وصلوا إلى حيث صورته البهية وتحوّلوا فجأة إلى حفنة من مارقين، كعادتهم، وبدأوا بالهتاف الاستعراضي الكاذب، فعبيد أميركا إن هتفوا للحرية كذبوا، وإن حاضروا بالسيادة كذبوا، وإن نظّروا في عناصر الاستقلال كذبوا. هجموا ككائنات آلية على الصور.شعروا بأنهم أبطال في ساحة قتال، ومن مثلهم أجبن حتى من المرور صدفة حيث القتال الحقيقي. هتفوا لبيروت التي يريدونها: أسيرة مثلهم تحت قدمي شيا، ومثلهم تبتهل في كل يوم إلى الإدارة الأميركية أيًّا كان رأسها.
البديع في المشهد أنّه لا يحتاج أحد منا أن يقول للحاج “لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء”، فهو الأدرى بنا، والأدرى بهم، فقد صادف أمثالهم في كلّ مكان حاولت أميركا تطويع أهله وجعلهم عبيدًا، وهو الحرّ الذي لا يرضى بأسواق نخاسة ويعرف أن البعض يستسيغ دور العبد إن كانت السّوق أميركية.
والبديع أيضًا، أنّ هذه الحفنة أظهرت حنقًا فاضحًا يظهر حجم تأزّمها وتراكم فشلها وتأثير كلّ ذلك على الحالة العصبية لأفرادها ما جعلهم يفقدون رباطة جأشهم ويفرغون غلّهم في صورة هم أعجز عن مواجهة طفل صغير يرى في صاحبها قائدًا وأيقونة للحقّ المقاتل.
يمر المرء بكلّ الحقول المعجمية الخاصّة بالسّفاهة وبالنذالة وبانعدام الشرف، ولا يجد كلمة تفي هؤلاء الأوباش حقّهم. بكلّ الأحوال، هم يشعرون الآن بنشوة الانتصار على صورة، سنتركهم فيها على أن نخبرهم لاحقًا، إن كانوا لا يعلمون، عن حقيقتهم وعمّا أراده مشغّلهم من المشهد الذي أرسلهم لافتعاله.
أكثر من أيّ وقت مضى، بيروت مدينة لا تخون المقاومة مهما كثر الخونة في أزقتها وعلى أرصفتها. بيروت التي احتضنت فلسطين وقاتلت وفيّة لكلّ خطوة مقاوم في الأرض، ولهذا لا شيءسيحجب وفاء بيروت لمعزّها سيّد شهداء محور المقاومة، والمعرض شاهد!