في معرض الأفكار.. “لا تتخطَّ حدودك”

يوم السبت في الخامس من شهرنا الجاري، زرت معرض الكتاب المُقام في بيروت. لم يكن في بالي أن أشتري شيئًا، فالمعرض بالنسبة لي هو سباقٌ بين عدّة أطراف، كلٌّ يعرض أفكاره في كتاب، يريد بذلك نشرها، ولذلك أحاول في جولتي هذه أن أفهم الفكرة التي يريد كل طرف أن ينزلها إلى عقول محبّيه، لأنّ الفكرة في الحقيقة تتشكّل على شكل جُمل، تسوّرها حروف العطف لتخرج لنا في كتابٍ منمّط، غير مجرّد، واضح التوجّه، فمن النادر أن ترى الموضوعية في كتاب.

يتيح المعرض فرصة لانطلاق السباق بين الناشرين، يعطي للجميع دون استثناء الإذن بممارسة عملية التثقيف، وكأنّ نداء المعرض: روّج للفكرة يا قوميّ، وأنت يا اشتراكي أين أفكارك؟ وهل بين الفلسطينيين من يريد أن يدلي بكتابه! تعالي أيّتها الأحزاب اطرحي ما تشائين! وإن كانت اوكرانيا تريد أن تضع جناحًا لها هنا فأهلًا وسهلًا.

إذًا هي سوق الأفكار المكتوبة، سوقٌ من ورق، منها ما أتقبّله كقارئ، ومنها ما اتركه، لا أسمح لنفسي أن أمزّق ورقة، لأنّ الفكرة لا تمزّق، بل أحترم الجميع، أبتسم حين أتلاقى مع فكرةٍ أحبّها، وأناقش في عقلي تلك الأفكار التي أرفضها دون عراك معها، وحين اليأس وإطالة المراء أنسحب إلى فكرةٍ أخرى لأتعرف عليها.

الأقوى في ميدان المعرض هو الذي يجيد فن الترويج لفكرته، من يستطيع أن ينشر ما يريد، بلا جلبة، بلا ضجّة، يزيّن نفسه كي يراه الناس، يفتح بابه كي يسأله الجميع، ولا يغلق كتبه في وجه أحد، يفتح الكتب على الرفوف كي يعرف السائل هوية الكتاب، فإنّ ما لا هوية له لا يدعى كتابًا.

الترويج هذا له قوانين، وله مبادئ، وعلى من أراد دخول ساحته أن يحترمهما.

القانون الأوّل وأكتفي به “لا تتخطّ حدودك”، وللفت النظر هذا قوانين القارئ العربي، وليست قوانين إدارة المعرض، القارئ يحبُّ معرفة الجميع بغضِّ النظر عن انتمائه.

ينبغي أن تلتزم دائرتك المرسّمة لك، اعرض ما تشاء، وبع ما شئت، فأيّها الناشر سل أيّ عربيّ (كون المعرض للكتاب العربي) إن كان يحبّ الإلغائية، وانتظر الإجابة فإن دلّت على الرضا، فاعلم أنّه عربيّ لا يقرأ، والإلغائية هنا تعني عدم تقبّل الآخر في وجوده.

معرض الكتاب مكانٌ لقراءة الشعارات وليس للصراخ بها، ومن يجيد سبك شعاراته أكثر في السطور هو الفائز، ومن يصرخ بها يطرد من باب المعرض الكبير كي لا ينغّص على القرّاء خلوتهم بالحبيب الأنيس.

اساسيلبنانمعرض الكتاب