لم تستثنِ ظاهرة إدمان وتجارة المخدرات جانبًا أو مفصلًا من مفاصل حياة المدمن إلا وألقت بثقلها عليه دون رحمة، جاعلةً من حياته سلسلة من الجحيم المترابط ناسفةً بذلك كلّ ما كان، ممهّدةً لمرحلةٍ من العذاب الطويلة.
وإن كانت آثار تفشي هذه الظاهرة النفسية والاجتماعية بالغة الخطورة والأذى على المدمن ومحيطه ومجتمعه، إلا أن الأضرار الاقتصادية المترتبة عنها لا تقل تأثيرًا وخطورة، الأمر الذي دفعنا لإلقاء الضوء على جانب آخر من المخاطر، وتحديدًا الاقتصادية منها.
أضرارٌ بحجم وطن
تشكل ظاهرة إدمان المخدرات والإتجار بها خطرًا يهدد اقتصاد العالم بأسره، فقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة أن جميع الأموال التي تنفق على تجارة المخدرات تقدر بحوالي 700 مليار دولار سنويًا، فضلًا عن العديد من الأضرار الاقتصادية الجسيمة التي تطال الفرد المدمن من جهة، واقتصاد البلد بأكمله من جهةٍ أخرى.
يؤدي الإدمان الى ضعف انتاجية الفرد وتراجع دخله بسبب انهيار صحته الجسدية والنفسية مما ينعكس سلبًا على واقعه المادي وواقع أسرته، ويساهم بالتالي في تفاقم المشاكل الأسرية ومظاهر التفكك الأسري بسبب حالات الطلاق والانفصال وغيرها، فضلًا عن ارتفاع معدل البطالة الناتج عن حالات الطرد من العمل التي يتعرض لها المدمن.
بالاضافة الى ذلك إن ادمان وتجارة المخدرات يلقيان بأضرارهما على اقتصاد الدولة، اذ تتكبّد الجهات الرسمية المعنية نفقات بالغة لمكافحة هذه الظاهرة، وتوفير برامج الرعاية الصحية والاجتماعية اللازمة، فضلًا عن النفقات الأمنية المطلوبة في هذا الشأن، لا سيما في موضوع السجون ورعاية الموقوفين وغير ذلك، بينما لو صرفت هذه الأموال في مشاريع انتاجية وتنموية لحقّقت نموًا كبيرًا في الاقتصاد الوطني.
وفي بلدٍ كلبنان، تعصف به الأزمات من كل ناحية وصوب، لك ان تتخيّل حجم المصائب والمخاطر الاقتصادية التي ستترتّب على انتشار هذه الظاهرة، لا سيما وأن معدلات التعاطي والإتجار هي في ارتفاع مخيف.
جهودٌ خجولة وبُعد عن الأولويات
رغم ما تسببه المخدرات من عواقب وخيمة على المجتمع والاقتصاد اللبناني، إلا أن عملية مكافحة هذه الظاهرة لم تعد ذات اهمية كبرى في وقتنا الراهن مقارنةً مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، لا سيما في ظل ما نشهده من انهيار اقتصادي ومعيشي. ولكن هذا الأمر يفرض من ناحيةٍ أخرى مضاعفة الجهود وبذل المزيد من التعاون مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية والجهات الرسمية المعنية لمكافحة هذه الآفة. وسبل المواجهة بهذا الشأن عديدة، أبرزها، على سبيل المثال لا الحصر، تفعيل الدور الأمني في مكافحة تجارة المخدرات وعدم التهاون بهذا الشأن وفرض الغرامات المالية بحق الاشخاص المتعاطين والمتاجرين، باعتبارها جريمة يحاسب عليها القانون، وتوفير برامج الوقاية من تعاطي المخدرات، وتوفير الرعاية اللاحقة من خلال برامج اعادة الاندماج والتأهيل في المجتمع، وذلك عبر التنسيق بين الوزارات المعنية كوزارة الصحة والشؤون الاجتماعية والجمعيات المدنية المهتمة بذلك.
في بلد عصفت بشعبه كل المآسي وحولت واقعه الاجتماعي والمعيشي الى حقل من الخراب والضياع، لا بد من بارقة أمل ولو ضئيلة، تعيد الروح لأبنائه الذين كبروا قبل أوانهم، وذاقوا مرارة أن تطحن أحلامهم أمام أعينهم، لتخلّص مَن وقع منهم بين مخالب وحش يسمى ” الإدمان “، وكلنا أمل أن تستيقظ الإرادة في نفوس من التحق بركب الإدمان لينقذوا أنفسهم، وأن يستيقظ ضمير زعماء وحكام الأمة ليكفّوا شرّهم وفسادهم ويتركوا لنا ما تبقى من وطن.