تشكل الحروب الكثير من التداعيات والتحديات لوسائل الإعلام، حيث تتميز بالرهانات الكبيرة وباختلاف وجهات النظر وتضارب المصالح وتشابكها بين الدول والشعوب. كذلك تتداخل عدة عوامل ذاتية مع بعضها البعض كالأمن القومي، والمصالح القومية والوطنية من جانب، مع الموضوعية، والمهنية، والأخلاق من جانب آخر. إلا أنه في وقت الحروب يكون الهدف الأساسي إنجاح السياسة الوطنية والانحياز التام الى الطرح السياسي والعسكري بشأن الحرب.
وخير مثال على ذلك في الوقت الحاضر، أحداث الأزمة الروسية – الاوكرانية وسير المعارك الحامية الوطيس والجارية في داخل الأراضي الأوكرانية، ابتداءً من معارك تحرير اقليم الدونباس بكامله ومدينة خيرسون…الخ.
لا تعتمد الولايات المتحدة في التغطية الإعلامية للحرب فقط على الإعلام الأميركي، إنما أيضًا على وسائل الإعلام العالمية سواء اوروبية او عربية او غيرها ( مرئي ومسموع وصحف..)، إذ تستخدم أساليب الاختراق والتلاعب والتشويه في الدعاية والحرب النفسية في كسب الرأي العام الدولي بشكل تام تجاه أهدافها. إذ تعتبر الإدارة الأميركية أن التغطية الإعلامية للحرب هي جزء لا يتجزأ من الحرب نفسها، وهو ما ظهر جليًا في تحديد عدة مواعيد لشن الهجوم الروسي على أوكرانيا، بل تمادت إلى أكثر من ذلك بتحديد بعض الضربات الافتتاحية في الحرب، إضافة إلى تسريب ما سمته الإدارة الأميركية بشفرات التواصل بين الجنود الروس.
اعتمدت روسيا على استراتيجية الصمود وامتصاص الصدمة في المواجهة الإعلامية مع الولايات المتحدة، متعلمة الكثير من دروس الماضي والخطب الإعلامية التي كانت تظهرها في صورة الدولة الجائرة أو المعتدية على حقوق الغير. ومن هنا نجد اعتماد بوتين على استراتيجية واقعية جديدة يستهدف بها الآلية الأميركية. وفيما يلي أبرز آليات الاستراتيجية الروسية.
لقد اعتمدت روسيا على سياسة الصمود إذ لم تجار دفاعا ما ظهر من الإعلام الأميركي من أن روسيا تحشد للحرب، وتسريبات تتعلق بالشفرات وتوزيع الضربات الافتتاحية وغيرها، بل أخذت بسياسة تفكيك الخطاب وتضليله. إذ لم يظهر بوتين لينفي أيا من التهم الأميركية الموجهة إليه، بل خرجت تصريحات النفي من أجهزة الإعلام والأجهزة التنفيذية المختلفة، وعملت بذلك على أن الرئيس لا يخرج لينفي عن نفسه تهمًا في موقف دفاع، بل ربط ظهور الرئيس بوتين بسياسة الفعل وليس رد الفعل.
ومن هذا المنطلق يجابه المواطن أينما وجد مشكلة الحصول على معلومات صحيحة لما يجري على ارض الواقع. فهناك الكثير من القنوات التلفزيونية الفضائية ومحطات الاذاعة والتواصل الاجتماعي (الفيسبوك) ومراكز الاعلام المختلفة تبث وتنقل الأخبار من أرض الواقع وليس من أرض المعركة، لأن هذا يحتاج الى مراسل عسكري تم اعداده خصيصًا لنقل أحداث سير المعارك العسكرية.
ومن هنا يلعب المراسل الصحفي دورًا مهمًا في هذه الحرب الاعلامية اذا صح التعبير، فمنهم من ينقل الاخبار والصور الحية من أرض الواقع بكل صدق وأمانة ونزاهة ومنهم من ينقلها بالعكس من ذلك حفاظًا على استمرار عمله في هذه القناة أو غيرها. وخير دليل على ذلك شبكات الاعلام العربية التي تستلم الأخبار عبر مراسليها الموجودين في دونيتسك وكييف وخاركوف وعلى الحدود الاوكرانية مع سلوفاكيا وبولندا ورومانيا. ويمكن للمشاهد أن يحكم على صدق ما يقوله المراسل الصحفي من خلال النظر الى قسمات وجهه، كما هو الحال مع المراسلين والمراسلات حتى يعرف مدى صحة الأخبار التي ينقلها هؤلاء المراسلون والمراسلات الموجودون في موسكو وكييف وخاركوف ودونيتسك ومدن أخرى واللذين يعملون لقناة العربية والحدث وسكاي نيوز..الخ. وحتى أن قسمًا منهم لا يتكلم اللغة الروسية والتي هي ضرورية طالما المراسل أو المراسلة موجود في بلاد يتكلم سكانها اللغة الروسية وينقلون أخبارها الى جميع بقاع الأرض معتمدين على معرفتهم باللغة الانكليزية فقط.
وخير مثال على ذلك أنه كان يوجد في كييف عاصمة أوكرانيا مركز اعلام تابع للقوات المسلحة الاوكرانية يقوم ببث الأكاذيب الملفقة والمعلومات غير الصحيحة والمظللة. وقد قامت القوات الروسية بقصفه وتدميره في اليوم الأول من شهر آذار/مارس الجاري 2022. إذ قام هذا المركز الاعلامي ببث الكثير من المعلومات الكاذبة والهدف منها هو تضليل المواطنين الاوكرانيين بالدرجة الاولى مدعومة بصور وأفلام فيديو من زمن الحرب العالمية الاولى والثانية ومن الحرب في أفغانستان وفيتنام والعراق اثناء اجتياح الجيش الاميركي للعراق في العام 2003 .
اسم المركز باللغة الروسية: 72ой Центер Специальный Операций ВСУ
وترجمة اسم المركز باللغة العربية يكون: المركز الثاني والسبعين للعمليات الخاصة بالقوات المسلحة الأوكرانية.
كما يوجد مركز اعلامي آخر يبث باللغة الأوكرانية ورمزه Ukr.net يبث أوامر الرئيس فلاديمير زيلينسكي بتعيين محافظين جدد لأوديسا وخيرسون، بالاضافة الى اخبار انتصارات الجيش الاوكراني في المعارك ضد الجيش الروسي وأخبار عن الداخل في مدينة كييف، واعتقال شبكات تخريب داخل كييف، بالإضافة الى أخبار اقتصادية وسياسية. وكذلك يوجد مركزان هما: Liga.net , Ukrinform.ua.
وفي مقابلة جرت في 2/3/2022 مع عضو مجلس الدوما الروسي أنتون غوريلكين، وهو مدير مركز مراقبة المعلومات التابع لمجلس الدوما (البرلمان) الروسي قال:” توجد في مواقع التواصل الاجتماعي في موسكو ومدن أخرى في روسيا أخبار مدعومة بصور وأفلام فيديو مفبركة وعديمة الصحة الغرض منها نشر البلبلة والانقسام في مجتمع روسيا الاتحادية في هذا الوقت الصعب” . ويوجد مشروع قانون مقدم الى مجلس الدوما (البرلمان) الروسي بمعاقبة أي شخص ينشر مثل هذه الأخبار والصور والفيديوهات المفبركة بالسجن 15 سنة.