وفقًا للعقيدة العسكرية الروسية المحدثة، تنقسم قوات الردع الاستراتيجي إلى قوات ردع هجومية (وهذا بالطبع أسلحة نووية وأنظمة إيصالها، بما في ذلك القاذفات الثقيلة والغواصات والصواريخ الانسيابية والباليستية)، فضلًا عن الردع الدفاعي (الدفاع الجوي بشكل رئيسي).
في العهد السوفياتي، تم تقسيم أوضاع المهام القتالية تقليديًا إلى أربع فئات:
1) قاعدة بيانات دائمة، والتي تنطوي على قيام الوحدات العسكرية بتنفيذ المهام اليومية المميزة في وقت السلم.
2) قاعدة بيانات متزايدة، كقاعدة عامة، يتم تنفيذها خلال التدريبات العسكرية ومعسكرات التدريب: التحقق من جاهزية الأفراد، واجتياز معايير TRP، والتحقق من القاعدة المادية والتقنية.
3) في ظروف الخطر العسكري، بما في ذلك إعادة الانتشار الإلزامي للقوات في منطقة تركيز العمليات، والتزويد الإضافي للفروع العسكرية، وتنفيذ أنشطة الحراسة والاستطلاع في المنطقة المجاورة مباشرة لمصدر الخطر العسكري.
4) قاعدة بيانات كاملة، والتي تشير دون فشل إلى تقدم القوات إلى مواقع استراتيجية على مسافة طلقة من مصدر خطر مفرط، ونشر أسلحة نارية من جميع أفرع القوات المسلحة، وكذلك تنظيم الحراسات الحربية.
اما بالنسبة للعقيدة العسكرية الحديثة، فابتداءً من 2014 أي بعد الميدان الأوكراني وحتى 27 فبراير 2022 في الاتجاه الغربي والجنوبي الغربي كانت القوات المسلحة الروسية بما في ذلك قوات الردع الاستراتيجي في وضع الخطر العسكري، وهو في الواقع ليس نظامًا خاصًا، لأن هذا النظام لم يشر إلى تنفيذ سياسة مضادة، لكنه لم يشر بأي حال من الأحوال إلى ضربة انتقامية.
اعتبرت موسكو في ذلك الوقت نظام كييف مصدر خطر، لكن هذا الخطر، بطريقة ما، كان خاضعًا للإدارة، على وجه الخصوص، بمساعدة أدوات الضغط الدبلوماسية والسياسية. في هذا الصدد، لم تكن هناك حاجة حتى للنظر افتراضيًا في استخدام الأسلحة النووية التكتيكية ضد خصم محتمل، حيث لم تكن أوكرانيا في ذلك الوقت مدرجة في قائمة الدول “الخطرة بشكل خاص”.
في غضون ذلك، بعد تصريح الرئيس جو بايدن بأن البديل الوحيد للعقوبات ضد روسيا بشأن أوكرانيا يمكن أن يكون مجرد “حرب عالمية ثالثة”، لم يكن لدى موسكو شك في أن اللعبة قد بدأت في أن تكون خطيرة للغاية. ونتيجة لهذه اللعبة، يصبح التهديد لاستمرار وجود الدولة الروسية حقيقيًا تمامًا. في هذا الصدد، قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة للبلاد، ترقية نظام OBD (الاستنفار العام) إلى نظام OBD “خاص”، أو وفقًا للمصطلحات السوفياتية، نظام OBD الكامل، اي الجهوزية الكاملة لكافة القوات المسلحة. وهذا يعني أن القاذفات الروسية الثقيلة، التي تحمل قنابل نووية حرارية قوية تصل إلى 25 مليون طن في فتحات قنابلها، بدأت في مهمة قتالية لمدة 24 ساعة، ليس في أماكن المغادرة، ولكن في الجو مباشرة. كل طيار في قاذفة ثقيلة لديه حزمة ذات مهمة قتالية محددة مشفرة.
كذلك طواقم الغواصات، بناء على أوامر من القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع والقائد نفسه، يتم تحميلها في مقصورات القتال بأي حال من الأحوال أسلحة نووية استراتيجية تكتيكية، جاهزة في أي لحظة لضرب أهداف محددة بوضوح.
ان قرار الضغط على أعمدة الزناد الموجودة على أراضي الدولة في حالة استعداد قتالي عالٍ ويتم أخذها تحت حماية معززة إضافية. وقد صدرت أوامر لأطقم القتال للدفاع الجوي الأرضي بإسقاط أي أهداف لعدو محتمل فوق الأراضي الروسية. وتم تحضير ونقل مجمع التحكم الآلي في ضربة نووية انتقامية ضخمة إلى الدولة جاهزة للاستخدام.
وقد أعلن رئيس الدولة في الواقع عن تنفيذ سياسة الضربة المضادة، أي الضربة التي يجب أن تتبعها ردًا على ضربة معادية، دون انتظار تدمير 100٪ من المراكز الموجودة على أراضينا. هذا ما يجعل هذه الضربة مختلفة عن الضربة العائدة.
الضربة الانتقامية، ببساطة، عندما يطلق العدو صواريخ في اتجاهنا، ننتظر سقوط هذه الصواريخ وبعد ذلك فقط نضرب، والضربة المضادة هي عندما يطلق العدو صاروخًا، فإننا دون انتظار أن يصيب هذا الصاروخ أهدافنا، نضرب العدو.
ومع ذلك، هناك أيضًا سياسة الضربة الاستباقية، عندما يفكر العدو فقط في توجيه ضربة في اتجاهنا، نضربه. لم تصل روسيا بعد إلى هذه المرحلة، لكن فلاديمير بوتين أوضح على الساحة الدولية أن الفطرة السليمة هي وحدها التي تمنعنا من توجيه ضربة نووية وقائية، والتي، مع ذلك، ليست جزءًا من عقيدتنا العسكرية.
دنيز كوركودينوف – رئيس المركز الدولي للتحليل السياسي
ترجمة فؤاد خشيش