لم تغب ظاهرة تعاطي المخدرات وإدمانها يومًا عن أوساط المجتمع اللبناني، فقد فرضت نفسها منذ وقت طويل وتسلّلت بقوة الى بنيانه وفئاته لا سيما الشباب منها، واليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى، بوتيرة أشد انتشارًا وبواقعٍ أشد رسوخًا وخطورة.
هذه الظاهرة التي ما انفكت يومًا تفتك ببنيان هذا المجتمع وتشتته شيئًا فشيئًا، تشعّبت مخاطرها لتطال جوانب حياة الإنسان كافة، دون أن تستثني أيًّا منها. وفي هذا السياق كان لا بد من إلقاء الضوء على كلّ منها على حدة وبمقال منفصل، في سبيل تبيان خطورة الأمر وكيفية معالجته من زوايا مختلفة، وأول هذه الجوانب هو النفسي والاجتماعي.
الظاهرة تتفاقم والاحصاءات مقلقة
لم تكن ظاهرة تعاطي المخدرات والإدمان عليها في لبنان وليدة الساعة، فقد بدء انتشارها منذ نال لبنان استقلاله عام 1943 وتفاقمت أكثر مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية وصولًا الى واقعنا الحالي والانهيار الاقتصادي الذي نعيشه.
وبالحديث عن الاحصاءات، فإنه لا وجود لإحصاءات ودراسات رسمية دقيقة حول أعداد المدمنين والمروجين للمخدرات، لكن ثمة احصاءات أعدتها جمعيات مهتمة بمعالجة المدمنين عليها، وتشير هذه الأخيرة الى أن الفئة العمرية الأكثر تعاطيًا للمخدرات هي فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الـ20 والـ 30 عاماَ، كما أن نسبة المدمنين توزعت بين 53% للنساء و47% للرجال وأن معظم المدمنين هم من المتعلمين!
وبالعودة الى الآثار النفسية والاجتماعية لهذه الظاهرة، لا بد من أن نذكر أن الادمان على المخدرات هي رحلة مشؤومة، وأن الخروج منها يعد انتصارًا عظيمًا ومكلفًا، فهذه الظاهرة لا تترك بصماتها على الصحة الجسدية للمدمن فقط، بل تفتك أيضًا بصحته النفسية، مسببةً له أمراضًا كالاكتئاب والهلوسات والعصبية الناتجة عن تلف الأعصاب أو التهاب خلايا الدماغ فضلًا عن التوتر والقلق وعدم القدرة على النوم. بالإضافة الى ذلك، ثمة مخاطر اجتماعية مصاحبة للادمان، كالانحراف وتشتّت الروابط الأسرية والاجتماعية للمدمن، وفقدان عمله وتراجع تحصيله العلمي، ولعلّ الأمر الأكثر خطورة من كل ما ذكر هو اقدام المدمن في العديد من الحالات على النشاطات الاجرامية لتغطية نفقات حصوله على المخدرات.
الإرادة الصلبة: نقطة بداية رحلة العلاج
تعد رحلة العلاج من ادمان المخدرات رحلة صعبة ودقيقة، ولا يمكن أن تتكلّل بالنجاح إن لم تبدأ من ذات المدمن وارادته، حين يخطو الخطوة الأولى في هذا الطريق الطويل وتأتي بعدها خطوات العلاج الأخرى. ويعتبر العلاج النفسي هنا ضرورة ملحة، لا غنى عنها، وهو يهدف الى استكشاف أسباب المشكلة والغوص في شخصية المدمن والعمل على حل المشكلة من جذورها. ويرافق ذلك عملية محاورة المدمن ودعمه نفسيًا واخضاعه لبرامج تأهيل تتم بالتنسيق بين الوزارات المعنية والجمعيات المدنية المختصة بذلك، ولا بد أيضًا من التأكيد على دور الأسرة والمحيط في تشجيع المدمن على متابعة عملية العلاج على نحو جدّي وبإرادةٍ صلبة .
أن تكون مدمنًا، يعني أن تجري بكامل ارادتك الى بحر من الظلمات والهلاك، أن تعيش حياتك بلاوعي تام، أن تصبح مجرمًا ومنبوذًا ومطلوبًا للعدالة دون ادراكٍ منك لذلك.
أن تكون مدمنًا يعني أن تهدم نفسك، وأسرتك ومن حولك، أن تعيش الأسى أضعافًا مضاعفة وأنت تحلم أنك هاربٌ من واقعك، واقع سرعان ما تعود إليه أسوأ مما كنت فيه، وإن كانت الحياة قد أرهقتنا فعلًا، فالحلول لا تكون بالهرب، إنما بالإيمان والمواجهة.