الأعاصير اليمنية تعيد رسم موازين المواجهة بين صنعاء وأبو ظبي

ظلت الإمارات المتحدة تراوغ وتتنصل عن مشاركتها الفعلية في العدوان السعودي الإماراتي الأميركي الظالم على اليمن الذي بدأ في 26مارس 2015، على الرغم من أنها تُعد شريكًا أساسيًّا واستراتيجيًّا مع السعودية، بل تزعمت مع الأخيرة قيادة التحالف الذي ضم أكثر من 17 دولة غربية وعربية، والذي تلاشى فيما بعد بسبب إطالة امد الحرب وفشلها في تحقيق أهدافها المعلنة.

لكن القيادة الثورية والسياسية اليمنية في صنعاء كانت تعرف جيدًا الدور الإماراتي في الحرب العدوانية على شعبها وتقيّمه، وترصد كل التحركات الإماراتية العسكرية على الخارطة اليمنية بدقة كبيرة وخطوات مدروسة حتى اتضحت لها الصورة كاملة، عند ذلك بدأت في تنفيذ ضرباتها الصاروخية والباليستية الدقيقة ضد القوات الإماراتية المحتلة المتواجدة على الأراضي اليمنية مع لفيف قوى الارتزاق المحلية التي تقاتل تحت القيادة الإماراتية. وهنا نشير إلى أبرز تلك العمليات:

4-9-2015 استهدفت القوة الصاروخية للقوات المسلحة اليمنية بصاروخ باليستي من نوع “توشكا” تجمعات الغزاة بمعسكر صافر، وادت العملية إلى مصرع قائد القوات الإماراتية في اليمن، ومقتل ل59 ضابطًا وجنديًّا إماراتياً، وجرح 80 آخرين من قوات العدو الإماراتي المحتل.

14-12-2015 استهدفت القوة الصاروخية للقوات المسلحة اليمنية بصاورخ باليستي نوع “توشكا” قاعدة عسكرية تابعة للتحالف في منطقة شعب الجن بباب المندب، وادت الضربة إلى مصرع العقيد الركن سلطان محمد بن هويدن الكتبي قائد القوات الاماراتية في اليمن، ومقتل وجرح العشرات من جنود وضباط العدو الإماراتي.

14-6-2017 استهدفت القوات المسلحة اليمنية السفينة الإماراتية (سويفت) بصاروخ (اورغان) في السواحل الغربية لليمن قبالة شواطئ المخا.

كانت الضربات اليمنية للقوات الإماراتية وقوات المرتزقة التابعين لها، رسائل نارية شديدة اللهجة من صنعاء لأبو ظبي وقيادتها، الحالمة بتحقيق أهدافها الاحتلالية لجنوب الوطن، وفي مقدمتها احتلال الجزر اليمنية وأهمها جزيرة سقطرى. وهنا تجدر الإشارة إلى اطماع العدو الصهيوني التي حققتها الإمارات للكيان الغاصب سواء في الجزيرة أو في باب المندب وبقية الأماكن الإستراتيجية الهامة التي وقعت تحت الاحتلال سواء البحرية أو البرية. والهدف الثاني تعطيل الحركة التجارية البحرية في المؤانى اليمنية وشلها، لضمان تشغيل المؤانى الإماراتية وتحقق لهم ذلك، وكذا نهب الثروات النفطية والطبيعية للشعب اليمني.

لم يستوعب محمد بن زايد الحاكم الفعلي للإمارات رسائل القيادة اليمنية التي قطعت عهدًا ووعدًا لشعبها الصامد على تحرير كل شبر محتل من تراب الجمهورية اليمنية في شمال وجنوب اليمن الكبير، وهذا موقف مبدئي ثابت لا يقبل المساومة. وقد استمرت الإمارات في تصعيدها الميداني، وفتح معسكرات تجنيد جديدة لقوات طارق صالح إلى جانب عشرات الألوية السابقة التي تتحرك تحت قيادتها والتوجه بكل تلك القوات الضخمة نحو الساحل الغربي في محافظة الحديدة في محاولة لاحتلال مدينة الحديدة ومينائها الذي يعدّ رئة الحياة لأكثر من 20 مليون يمني واقعين تحت سيطرة سلطة المجلس السياسي الأعلى.

غير ان القوات المسلحة اليمنية تمكنت من الدفاع عن المدينة، واسقطت كل الرهانات الخاسرة لأبو ظبي ومن معها من قوى العدوان الرامية إلى خنق الشعب اليمني، من خلال احتلال الميناء الوحيد له، ومساومته على قوته، ومع كل ذلك التصعيد الكبير لم تكن قيادة المعركة الوطنية ومعها القيادة العسكرية في صنعاء مكتفية بالرد الميداني على تلك القوات الغازية، بل كانت تعد العدة لضرب رأس الأفعى “الإمارات” في عقر دارها، فنفذت عدة ضربات عسكرية في العمق الإماراتي توزعت كالآتي:

3-9-2017 قصف القوة الصاروخية لـ”مفاعل براكه النووي” في أبو ظبي.
26-7-2018 استهداف سلاح الجو المسيرّ لـ”مطار أبو ظبي الدولي”.
27-8-2018 استهداف سلاح الجو المسيرّ لـ”مطار دبي الدولي”.
30-9-2018 استهداف سلاح الجو المسيرّ لـ”مطار دبي الدولي”.

لكن السلطات الإماراتية اعتمدت سياسة النفي لعمليات القوات المسلحة اليمنية، حتى بثت قناة المسيرة القناة الرسمية لأنصار الله شريطًا مصورًا يكشف استهداف القوات المسلحة اليمنية لـ”مطار أبو ظبي الدولي”، وكانت تلك صفعة مؤلمة من صنعاء لأبو ظبي.

بعد تلك العمليات العسكرية اليمنية استوعب حكام الإمارات حجم القوة التي تمتلكها صنعاء، وتحرر قرارها الوطني من اي ضغوطات من الخارج كما كان يعتقد القادة الإماراتيون الذين ظنوا ان علاقتهم التجارية الكبيرة مع طهران ستضمن لهم وضعًا آمنًا لمدنهم الاقتصادية، لكن كل تلك الأمنيات غير واردة في يمن الواحد والعشرين من سبتمبر الحر المستقل بقراره السيادي.عندها وصلت أبو ظبي إلى قناعة بضرورة إيقاف العمليات العسكرية على مدنها الزجاجية التي لا تتحمل المزيد من التصعيد العسكري، لذلك عمدت إلى إرسال الرسائل إلى صنعاء عن رغبتها في خفض التصعيد والتفاوض تحت الطاولة، لكن كان رد الأخيرة ثابتًا نحن جاهزون للسلم كما نحن في الحرب وانتم المعتدون، ونحن في موقع المدافع لا المعتدي، فلم يكن امام الإمارات سوى ايقاف عملياتها العسكرية وعمليات القوات الموالية لها، عندها اوقفت القوات المسلحة اليمنية عملياتها العسكرية على الإمارات، وكان ذلك التمايز بمثابة اتفاق غير موقع بين الطرفين.

بعد ذلك ظلت المواجهة بين أبو ظبي وصنعاء في حال عدم التصادم، لكن ذلك الأمر لم يرق للسعودية التي كانت تحاول جاهدة دفع حليفها الإستراتيجي (الإمارات) للعودة بقوة إلى الساحة اليمنية، وتمنيه بالمغريات، وتذكره بالمصالح المشتركة بين الطرفين، لكن ابن زايد كان يجيد المراوغة واللعب على المتناقضات مع الأمير المراهق (محمد بن سلمان) حتى لا يتورط من جديد في المأزق اليمني.

لكن التصعيد الأخير للقوات المسلحة اليمنية الهادف إلى تحرير محافظة مأرب هو القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال حيث ضغطت السعودية وأميركا على الإمارات كي تتدخل وتمنع سقوط المحافظة، بعد ان وصلت قوى العدوان الى قناعة تامة بأن قرار تحرير مأرب قد اتخذته صنعاء، وأن اقصى درجات الضغط الأميركي والغربي لم يغير شيئًا في مسار التقدم المستمر للقوات المسلحة نحو تطهير المحافظة النفطية الهامة مهما كانت التكلفة.

ولأن البيت الأبيض هو من اعطى التوجيهات لأبو ظبي بضرورة التدخل لم يكن امام الأخيرة سوى السمع والطاعة، وتنفيذ اوامر الأسياد من عيال العم سام، عندها عمدت الإمارات الى سحب القوات الموالية لها من الساحل الغربي، واعطت لهم التوجيهات بالتقدم والزحف على المديريات التي حررتها القوات المسلحة اليمنية في محافظة شبوة مؤخراً، والتي تم تحريرها وسقوطها خلال ساعات وبخسائر صفر.

ولأن انظار قوات صنعاء موجهة صوب مأرب على الأقل في الوقت الراهن، لم تكن تعبأ بالهجوم الكبير لتلك القوات التي يحركها الإماراتي بالريموت كنترول، فقد عمدت إلى الانسحاب من كل المناطق المكشوفة للطيران والإحتماء بالجبال لسهولة التمويه العسكري والتمترس، وكثفت من عملياتها الاستخباراتية التي توفر لها المعلومة الدقيقة فنفذت على اثرها عشرات العمليات الصاروخية التي اصابت اهدافها بدقة حيث كان ضحاياها مئات القتلى والجرحى وعشرات القادة من تلك القوات.

وعلى الرغم من نجاح استراتيجية قوات صنعاء الدفاعية وامتصاصها للتصعيد العسكري الضخم المسنود بالغطاء الجوي وبعثرته وشل حركته، إلا انها كانت تعرف اين هو بيت القصيد، لذلك عمدت إلى تنفيذ عمليات عسكرية نوعية استهدفت فيها أهدافًا استراتيجية هامة في العمق الإماراتي وهي كالتالي:

17-1-2022 عمليةُ (إعصارِ اليمن الأولى): استهدفت العملية مطاري دبي وأبو ظبي ومصفاةَ النفطِ في المصفحِ وعددًا من المواقعِ والمنشآتِ الإماراتيةِ الهامةِ والحساسةِ، ‏وتمتِ العمليةُ الموفقةُ بخمسةِ صواريخَ باليستيةٍ ومجنحةٍ وعددٍ كبير ٍمن الطائرات المسيرة.

24-1-2022 عملية (اعصار اليمن الثانية): استَهدفت العملية قاعدة الظفرة الجوّية وأهدافًا حسّاسة أخرى في أبو ظبي، بصواريخ «ذو الفقار» الباليستية، فضلًا عن مواقع حيوية وهامّة في دبي بطائرات مسيّرة من نوع «صماد 3».

31-1-2022 عملية (اعصار اليمن الثالثة): استهدفت العملية أهدافًا نوعية ومهمة في إمارة أبو ظبي بعددٍ من صواريخ “ذو الفقار” البالستية، كما “تم ضرب أهدافٍ حساسةٍ في إمارة دبي بعددٍ من الطائرات المسيرة نوع صماد 3”.

كانت هذه الأعاصير اليمنية الثلاثة رسائل مدمرة لا قبل للدولة الزجاجية بتحمل استمرارها، وتبعاتها الكارثية على الاقتصاد الإماراتي، عند ذلك كان أول توجيهاتها للقوات الموالية لها هو الانسحاب والانكفاء، وراحت ترسل الرسائل عبر طهران ومسقط، وتراوغ من جديد، وتكرر ادعاءاتها الكاذبة كما في السابق انها قد انسحبت من اليمن، لكن رسالة صنعاء جاءت شديدة اللهجة والوضوح مفادها ما لم يكن هناك خروج حقيقي من الساحة اليمنية، فإن كل مدنكم ومصالحكم الحيوية واقتصادكم تحت رحمة صواريخنا ومسيراتنا.

لذلك تبقي صنعاء الكرة في الملعب الإماراتي الذي يبدو انه حتى بعد الأعاصير الثلاثة لا يزال يحلم في تثبيت مصالحه على حساب معاناة الشعب اليمني، لكن هيهات ان تتحقق تلك الأحلام الوردية في بلد عُرف على مر التاريخ بأنه (مقبرة الغزاة).
لذلك ان النصيحة الصادقة اليوم لحكام الإمارات هي الخروج من المستنقع اليمني قبل ان يغرقوا فيه، لأن اركاع الشعب اليمني واحتلال ارضه لن يكون ولو استمر هذا العدوان حتى يوم القيامة، وابناء اليمن قد اتخذوا خيار المقاومة والصمود في مواجهة الغزاة المعتدين مهما كان حجم التضحيات، وهم اليوم اقوى عسكريا، واكثر عدة وعتادًا منذ بداية الحرب العدوانية قبل سبع سنوات، وعليه الحل في السلام والحوار وهو الذي سيكون في نهاية المطاف حتى لو استمر عدوانهم مائة عام.

ابو ظبياساسيالاماراتالسعوديةدبي
Comments (0)
Add Comment