تضج الأوساط اللبنانية اليوم بالانتخابات النيابية التي تشكل الحدث الأبرز على الساحة السياسية. وبالرغم من أننا، كشعب، والطبقة السياسية الحاكمة، نعيش في بلد واحد وتحت سماء واحدة، إلا أنه في الواقع ثمّة حقيقة أخرى، مفادها أن كلًّا من هذين المُكوّنين يعيش في كوكب منفصل منعزل ومختلف عن الآخر.
وبالحديث عن موضوع الانتخابات وما يرتبط بها من تفاصيل مصيرية وأساسية، تعود الى الواجهة قضية واقع المرأة في الحياة السياسية عامة، وتمثيلها في المجلس النيابي على وجه الخصوص. ومع هذه العودة لا بد من أن نسلّط الضوء على تفاصيل هذه القضية التي كلّما أبصرت النور أعيدت مجدّدًا الى أدراج الظلام .
التمثيل النسائي نيابيًا: خجول الى حد الإختفاء
أقر مجلس النواب اللبناني عام 1953، قانونًا ينص على حق المرأة في المشاركة في الانتخابات انتخابًا وترشيحًا. وكانت النائب “ميرنا البستاني ” أول سيدة دخلت المجلس النيابي بعد عشر سنوات من اقرار هذا القانون وذلك عام 1963.
وحاليًا، تشكل المرأة ما يقارب الـ 54% من حجم الناخبين في لبنان، ومع ذلك فإن الاحصاءات تشير الى أنه لحد الآن، هناك ثلاث نساء فقط قد سجلن ترشيحهن للانتخابات النيابية القادمة، علمًا أن باب الترشيح سيُقفل بعد أقل من شهر واحد، وإن حدث واستجدت معطيات وتغيرات بهذا الشأن إلا أنّ المشهد العام لتمثيل المرأة النيابي مهمّش الى حد كبير، إذ حاليًا، وبعد انتخابات 2018، يضم المجلس النيابي 6 نساء فقط، أي ما نسبته 4.6% من نسبة التمثيل الإجمالي، بالإضافة الى أنه خلال الـ 80 عامًا الماضية لم يصل الى المجلس النيابي سوى 14 سيّدة!
أمام هذا الواقع والتهميش الواسع غير العادل، كان لا بد من إبراز أكثر العوائق التي تمنع أو تحدّ من زيادة نسبة التمثيل النسائي، لعلّ أبرزها المماطلة والتأخير المتعمّد من قبل الكتل النيابية في تعديل قانون التمثيل النسائي في المجلس النيابي، والذي كان من الممكن أن ينتج عنه رفع نسبة التمثيل النسائي الى ما يقارب الـ 30 مقعدًا.
فضلًا عن ذلك، فإن الواقع المالي يفرض نفسه كأحد العوائق الأساسية بهذا الشأن، لا سيما وأن الترشح للانتخابات النيابية اللبنانية هو مشروع مكلف نوعًا ما، نظرًا للتكاليف الباهظة التي يصرفها المرشح على الحملات الدعائية والرشاوى الانتخابية. بالإضافة الى ما سبق، فإن نظرة المجتمع للمرأة اللبنانية لا زالت نظرة استضعاف وتهميش وعدم مساواة، إذ إنه يرى بشكل عام أن المرأة اللبنانية لا يمكن أن تظهر بالشكل السياسي المطلوب بسبب ارتباطها بالالتزامات الحياتية والعائلية والاجتماعية، وعلاوةً على ذلك فإنها تفتقرأيضًا للدعم النسائي في المجتمع اللبناني، لا سيما وأن عملية الاختيار تتم وفقًا للانتماءات السياسية والطائفية قبل أي شيء آخر.
هل من بصيص أمل؟
رغم نظرة التفاؤل الموجهة الى زيادة التمثيل النسائي النيابي، إلا أن الإقبال النسائي الحالي على الانتخابات النيابية يُظهر عكس ذلك، لا سيما في ظل البرود السائد في عملية الترشح ككل. ولكن ومن ناحية ثانية، فإن المرأة اللبنانية لا زالت تعول على الوعي الموجود لدى الناخب اللبناني، لا سيما وأن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي عصفت بالبلاد، لا بد أن تدفعه لإعادة النظر باختياراته السابقة.
وهنا لا بد من التأكيد على أن التعامل مع هذه القضية يتطلب القرار الجريء العادل والعمل الجاد للمجلس النيابي القائم والقادم، فضلًا عن الدور الكبير الذي يمكن أن تؤديه وسائل الإعلام خلال هذه المرحلة تحديدًا في دعم ترشيح المرأة وانتخابها، بعيدًا عن الحسابات الطائفية والسياسية.
يليق بالمرأة في هذا الوطن أن تلقّب “بالمناضلة”، فهي لم تترك ميدانًا إلا وناضلت فيه، ناضلت في سبيل حقوقها، وحقوق شعبها، في سبيل عيشها واستقلاليتها وعائلتها وأطفالها وكلّ ما يرتبط بها، وقد آن الأوان اليوم ليُسمع صوتها، بعد أن كُتم لعشرات من السنين، وغُيّب لحجج باطلة، ومبادئ واهية. ويبقى السؤال الذي طرح نفسه ولا زال: ألم تكفكم عشرون ولاية وأكثر لتثبتوا للشعب وأنفسكم أن فشلكم لا يحتاج الى تصويت الثلثين زائدًا واحدًا ولا الى النصف وأكثر؟.