يتميّز لبنان بموقعٍ استراتيجيّ مهم مع موارده المتعدّدة من أرضٍ وماء ومحاذاته فلسطين المحتلّة. لكنّ الأهم هو موقعه من القضيّة الفلسطينية ودولة الاحتلال وحروب المنطقة، وكذلك قدرات مقاومته العسكرية وموقفه الواضح من أميركا و”إسرائيل” وما حقّقه من انتصارات منذ تأسيس المقاومة حتى اليوم. الأمر الذي جعل منه، وما زال، موقع استهدافٍ وتدخّل للكثير من دول الجوار العربي والغربي الأميركي وبعض الأوروبي.
وفي حين خابت آمال أميركا وطفلتها المدلّلة “اسرائيل” ومعهما أزلامهما من الخليج، فيما كانوا وما يزالون يطمحون له من أهداف توسّعية وعسكرية واقتصادية في المنطقة، نشهد اليوم تخبّطًا واضحًا في موضوع ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحالّة والتنقيب عن الغاز.
وعليه، أعدّ مركز الاتّحاد للأبحاث والتطوير دراسة منهجية حول بعض السيناريوهات المتوقعة مع الردود “الإسرائيلية” واللبنانية لكلٍّ منها في موضوع سيناريو الحرب البحرية بين لبنان والكيان المؤقت.
السيناريو الأوّل
يقوم السيناريو المُتوقَّع الأول على إبقاء موضوع الترسيم عالقًا لعدّة سنوات وذلك من خلال المماطلة من الجهة الإسرائيلية بدعمٍ أميركي، وعليه يختار اللّبناني بين المهادنة وعدم الردّ، أو القيام بمجموعة من الإجراءات السياسية والميدانية التي تدفع العدو للقبول بالشروط اللبنانية، أو استقدام المعدات النفطية الإيرانية إلى المناطق غير المتنازع عليها بحماية عسكرية. وعليه يمكن للإسرائيلي الرد بطرقٍ عدّة مثل شن الحرب بمساعدة وكلاء الداخل، أو قصف البنى التحتية ومواقع المقاومة، أو هجوم سيبراني يطال شركات الاتصالات اللبنانية والإنترنت… أو الاكتفاء بالتدخّل الدولي لوقف التصعيد وعودة المفاوضات أو تجميد الاستخراج وعودة المفاوضات.
السيناريو الثاني
يتمثّل السيناريو الثاني باستقدام شركة تستخرج النفط وتوزّعه بين الطرفين. وعليه، يمكن للطرف اللّبناني هنا إما القبول بالعرض والتعامل بإيجابية لمحاولة ضبط المعايير والرقابة نظرًا للظروف الاقتصادية الصعبة، وإمّا الرفض، وبالتالي تقديم الاعتراض السياسي ثم الميداني على عمليات الشركة المستخرجة للنفط من منطقة النزاع. وكذلك يمكن للّبناني اللجوء إلى تعطيل عمل هذه الشركة بطرق سياسية وميدانية أيضًا عند اكتشافه الخلل والتلاعب في التوزيع.
أما العدو الإسرائيلي، فلديه ردود عدّة هنا نذكرها من الأكثر خطورة إلى الأقل خطورة: استقدام شركات وبدء الاستخراج من قبله، أو سرقة النفط من المنطقة المتنازع عليها بشكل تدريجي، أو سيطرة الدول الغربية على عائدات النفط اللبناني لسد الدين الخارجي، أو الاستمرار في منع استخراج النفط من كافة المياه اللبنانية بضغط أميركي.
السيناريو الثالث
يقوم السيناريو الثالث على فرض الخط 23 على لبنان بوسائل سياسية. وهنا يستطيع الطرف اللّبناني الموافقة غير المباشرة من خلال التغاضي عن التدخّل في النزاع الجاري، إسهامًا في تخفيف الحصار الاقتصادي. وكذلك يمكن اللجوء إلى المواجهة السياسية من خلال إسقاط الحكومة اللّبنانية، أو العمليات الرمادية التي تتمثّل هنا باستخدام الإجراءات لكبح وردع العدو. أما الخيار الأكثر خطورةً فيتمثّل باللّجوء إلى المواجهة العسكرية من خلال استخدام القوةّ المباشرة لمنع العدو من الاستفادة من النفط في المنطقة المتنازع عليها.
وفي جميع السيناريوهات، لن يتوانى العدوّ الإسرائيلي عن الرد. وهنا تتمثّل خيارات العدوّ كالآتي:
شن عملية عسكرية محدودة في لبنان.
تدمير بنى تحتية لبنانية مع قصف موسع لمواقع المقاومة.
هجوم سيبراني يطال شركات الاتصالات اللبنانية والإنترنت أو بنى تحتية مدنية أخرى.
تصعيد أمني داخل لبنان عبر الوكلاء.
تدخل القوات البحرية الدولية في الرد.
تطوير العدو للدفاعات وإصلاح الأعطال واستكمال الاستخراج.
الاستمرار في منع استخراج النفط من كافة المياه اللبنانية بضغط أميركي.
تدخل دولي لوقف التصعيد والعودة للتفاوض.
وقف الاستخراج والعودة إلى التفاوض.
السيناريو الرابع
يقوم السيناريو الرابع على استقدام شركات وبدء الاستخراج من قبل العدوّ الإسرائيلي. تتمثّل الخيارات اللبنانية هنا بخمس نقاط. يقوم الخيار الأول على التهديد وذلك من خلال القيام بتحركات ميدانية وإطلاق تصريحات من قبل المقاومة لردع العدو. الخيار الثاني يتمثّل بالمناورة، وذلك من خلال القيام بتحركات ميدانية والقصف حول المنشآت لردع العدوّ. يمكن اللّجوء هنا أيضًا إلى الهجوم اللبناني كخيارٍ ثالث لتعطيل المنشآت. أما الخيار الرابع فقد يكون من خلال قصف المنشآت بشكلٍ جزئيّ من خلال استخدام المسيّرات في قصف موضعي غير تدميري. أما الخيار الخامس والأخير والأكثر خطورةً فهو قصف المنشآت بشكل كلّي من خلال استخدام الصواريخ.
وستكون ردة فعل العدو هنا كما ورد في السيناريو الثالث.
لم يسلم اللبناني بمعظم أبنائه يومًا من الحصار والمواجهة والمشاكل والتضييق بمختلف أشكاله بسبب المواقف السياسية من القضايا الحساسة في المنطقة والتي لا ينفك عن ذكرها في الداخل والخارج وفي جميع المحافل الدولية عندما تُتاح له الفرصة؛ فبعد أن قاموا بالاجتياح يومًا وبعد أن فشلوا في إخضاع البيئة التي كانت أولى أهدافهم واستهدافاتهم منذ البداية، يريدون اليوم أن يقضوا على ما بقي من البلد وخيراته. لكننا هنا رغم كل ما عانيناه وعايشناه في هذه البقعة الصغيرة، لم نملّ يومًا من المقاومة ولن نملّ، وما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلّا بالقوة والنصر حليفنا الدائم.