عن الخوف والانهزامية والعمالة

الخوف هو ردّ فعل طبيعيّ جدًا. ليس عيبًا ولا منقصة. لكنّ العيب كلّه هو في استثمار لحظة الخوف، “النأزة”، وتحويلها إلى محطّة اتهامية مشبوهة ضدّ الجهة التي تقاوم مرتكب التخويف. بكلام آخر، يحقّ لك أن تخاف من صوت الطيران المعادي -بغض النظر إن كنت تقرّ بكونه معاديًا أو لا- فهو ارتكب هذه الطلعة “الواطية” بهدف التخويف. ولكنّ غير الطبيعي هو أن توجّه غضبك باتجاه المقاومة وليس باتجاه الصهيوني، أو أن تتخذ هذا الخوف ذريعة للتسويق لانهزاميتك ومشروعك الساقط، خدمة للصهيوني، سواء كنت تسعى لخدمته -وتبيّنَ أنّ عارضي خدمات العمالة للصهاينة كثرٌ- أو تدّعي معاداته.

والأبشع من هذا الاستثمار في برهة الخوف تلك هو اعتمادها منصّة للتقليل من أهميّة الإنجاز النوعي الذي يتحقّق بالمسيّرات المقاوِمة. في تلك اللحظة التي تسمح فيها لنفسك بالمشاركة في توهين إنجاز تحقّق بالدم أولًا وبالعقول المبدعة المقاتلة، تكون قد دخلت حكمًا في جيش المتصهينين. وبما أنّك صرت هناك، بامكانك الاطلاع على الأثر الذي تتركه مسيّرة صغيرة الحجم على الداخل الصهيوني كلّه (بما أنّ البعض حاول المقارنة بين f-16 والمسيّرات من حيث الحجم واستنتج أن الصهيوني أقوى وسخر ببلاهة شديدة من الإنجاز).

منذ الطلقة الأولى ضد العدوّ الصهيوني إلى اليوم، ثمّة أصوات ما ملّت من تكرار سمفونية “هو الأقوى” وأنّه غير قابل للهزيمة، رغم أن التجارب أثبتت عكس مقولاتهم، وربّما عكس أمنياتهم.

وقد يكون من المتوقّع أن تسمع هذه الأصوات من الدوائر المعادية لمشروع المقاومة علانية، والساعية إلى التطبيع (وقيل أكثر)، أمّا الصّادم إلى حدّ ما فهو أن يُسمع هكذا صوت من جهات تدّعي كونها الأولى في محاربة الصهاينة وتزايد في العداء لـ”إسرائيل” حتى تظنّ حين تسمعها أنّك بمحضر أبناء جبهة حيّة.

يقول أحد المواقع الإلكترونية المجهولة النسب والهويّة إنّ النّاس استذكرت حرب تموز فيما احتفى حزب الله بـ”حسّان”، في محاولة سخيفة لفصل اهتمامات الحزب عن اهتمامات الناس. تناسى هؤلاء أن الحزب هو الناس، وأن النّاس احتفوا بـ”حسان” واستذكروا تمّوز النّصر الإلهي المصنوع بنفس الأيدي التي صنعت وأطلقت وسيّرت وأتمّت مهمة “حسان”.

في الحرب الإعلامية ذلك طبيعي، وبمسار الأحداث صار من السهل تمييز الناطقين باسم الصهاينة (بعضهم مأجور وأكثريتهم يقدمون خدماتهم مجانًا)، لذلك بات من السهل أيضًا تمييز الكلمات والجمل والشعارات التي يسعى الصهيوني للتسويق لها في لبنان (شبكات التجسس التي تمّ اكتشافها مؤخّرًا خير دليل على الدور الصهيوني في صناعة الشعارات)، ولذلك لم يعد من المتاح القول إن جهة أو فردًا تعرّض لسقطة غير متعمدة بترداد عبارات أو شعارات يريدها العدو، وأن بإمكان هذه الجهة أو هذا الفرد في موقف آخر أو في خضمّ حدث آخر أن يزايد بالعداء للصهاينة. ولذلك أيضًا من غير المقبول أن يسمح أحد منّا لنفسه بترداد هذه العبارات ولو مزاحًا، وإن فعل فعليه أن يتحمل نظرات التخوين المحقّة.

اساسيحزب اللهلبنان