تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى إيجاد بدائل للغاز الروسي الذي يمد سوق الاتحاد الأوروبي بأكثر من 40 بالمئة من حاجته، علمًا أن الاتحاد يسعى إلى تأمين البدائل عبر الغاز المسال الذي يُستورَد عبر ناقلات خاصة والذي يُستورد جزء منه من الولايات المتحدة الأميركية، وهو مستخرج من الزيت الصخري ذات الكلفة العالية، وجزء آخر من قطر والتي تملك قدرات كبيرة في إنتاج هذا الغاز والقدرة على تصدير كميات كبيرة منه. لكن هذا الغاز المسال لا يكفي حاجة السوق الأوروبية، وهو أكثر كلفة نظرًا لتكاليف التسييل والشحن ومن ثم إعادة التغويز. وتبقى عمليات الاستيراد عبر الأنابيب الضخمة ومنها السيل الأول، والسيل الشمالي الذي يمر في بحر البلطيق ومنها إلى أوروبا.
تبقى هذه العمليات التصديرية الأقل كلفة، لذلك رأينا ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا هذا الشتاء بعد وضع عقوبات أميركية على شركة غاز بروم الروسية، والتي تقوم بتصدير هذه الأنابيب وتشغيلها.
لذلك، تسعى الولايات المتحدة الأميركية اليوم إلى إيجاد البدائل للغاز الروسي تحت ضغط الاتحاد الأوروبي، ومن ضمن هذا السعي مفاوضاتها اليوم مع إيران في الملف النووي، والذي تسعى إلى إنهائه لتتفرغ لمعاركها الحقيقية القادمة مع روسيا والصين.
وكذلك، من ضمن هذا السعي فتح آبار غاز جديدة شرق المتوسط قريبة للاتحاد الأوروبي، لذلك نرى الولايات المتحدة في عجلة من أمرها لإنهاء أزمة ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة حتى تتمكن “إسرائيل” من استخراج أكبر كمية ممكنة من هذه الآبار. وفي حال عدم كفاية آبار فلسطين، سيُسمَح للبنان استخراج جزء من الاحتياطي لديه حتى تتمكن من تغطية العجز الذي يعانيه الاتحاد الأوروبي. كما ستسعى الولايات المتحدة لمنع سوريا من الاستفادة من استخراج الغاز الموجود لديها، لأنها تعلم سلفًا أن الشركات الروسية ستكون باستخراجه المستفيد الأكبر، خاصة إذا ما صدقت التقارير التي تتحدث عن مخزون تجاري كبير في البلوكات اللبنانية والسورية.
لذلك، فإن الاستعجال في الموافقة على خط 23 هو خطأ استراتيجي كبير، خصوصًا وأن الوقت يلعب لمصلحة لبنان، حيث من المرجّح أن تقبل الولايات المتحدة، وحتى العدو الإسرائيلي بالخط 29، لأنهما الأكثر استعجالًا للإستفادة من فرصة وجود سوق ضخمة وقريبة ومتعطشة لهذا الغاز بسبب الاستراتيجية التي اعتمدتها الولايات المتحدة في فرض المزيد من العقوبات على روسيا وخاصة على شركات الطاقة.