لا شك أن الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في أيار المقبل ستجرى في ظروف داخلية وخارجية مختلفة إلى حدّ كبير عن الاستحقاقات السابقة. هذا ما يعني أن النتائج التي سيُسفر عنها هذا الاستحقاق الهام، ستكون حاسمة في تحديد اتجاهات الأمور لبنانيًا. لذلك، فإن الاداء السياسي والإعلامي للإدارة الأميركية للملف اللبناني، وأدواتها من سياسيين وإعلاميين ومنظّمات مجتمع معني، يصوّب بشكل مكثّف وواضح على حزب الله وبيئته بوصفها “عدوًا” أول لواشنطن وحلفائها في الخليج وفلسطين المحتلة.
يتعاطى الأميركي والفرنسي وأدواتهما في الداخل مع الانتخابات كمحطة مفصلية لإجراء تعديل جذري في موازين الأكثرية والأقلية النيابية الحالية لمصلحتهما ومصلحة خياراتهما الإقليمية، مراهنين في ذلك على أن الغضب المتفاعل لدى اللبنانيين، لا سيّما بعد الانهيار المالي والاقتصادي، سيؤدي، بل يجب أن يؤدي في نظرهما، إلى قلب الطاولة على فريق سياسي بعينه هو حزب الله، وذلك بالاستناد إلى الحملة الإعلامية والسياسية الواسعة التي شُنّت عليه، مصوّرة إيّاه على أنه الحاكم بأمره في لبنان، وعلى أن تحالفاته الداخلية وخياراته السياسية الخارجية، هي في مجملها المسؤولة عن الانهيار الحاصل في لبنان. طبعًا هذه الحملة لم توفر حلفاء حزب الله خصوصًا في البيئتين المسيحية والشيعية.
لاحقًا، تم تطوير الحملة الإعلامية ضد حزب الله، باتجاه التركيز على العنوان الإيراني من خلال القول إن إيران تحتل لبنان، وإن حزب الله هو جيش إيراني، وبيئته هي جالية إيرانية في لبنان، وإنه يخدم المصالح الإيرانية حصرًا. المراد من هذه الحملة تحقيق اهداف عديدة منها:
- تحويل الانتخابات النيابية من استحقاق نيابي عادي إلى نوع من الاستفتاء الشعبي غير المباشر على دور حزب الله السياسي، وعلى سلاح المقاومة، بما يمهّد لعزله ورفع درجة الضغط المطالب بنزح سلاحه سياسيًا وشعبيًا.
- تحويل الانتخابات النيابية إلى مناسبة لإحداث تعديل في موازين الأقلية والأكثرية في الساحة المسيحية لمصلحة أدوات أميركا في لبنان، ولفحص إمكانيات منظمات المجتمع المدني التي تدور في فلك السفارة الأميركية في بيروت، ولخفض منسوب مشاركة البيئة الشيعية من خلال التشكيك بجدوى الانتخابات، وصولًا إلى خفض نسبة المشاركة الشيعية في التصويت للقول إن مشروعية الحزب في انحسار.
- تحميل إيران مسؤولية مباشرة لاستدعاء تدخل دولي وإقليمي للضغط عليها لوقف دعمها لحزب الله والمقاومة. هم يعلمون أن إيران لا تملك وجودًا عسكريًا على الأراضي اللبنانية ليتم التذرّع به لاستدعاء ضغط دولي وإقليمي، وبالتالي لا يبقى أمامهم سوى استدعاء الضغط الخارجي بهدف فكّ العلاقة بين إيران والمقاومة للإمعان في محاصرة الأخيرة.
- تحويل الانتخابات النيابية إلى مناسبة للتصويت على الخيارات الكبرى، الخيار الأميركي – الخليجي بكل أشكاله التطبيعية، ومن منطلق أن لا حلّ للوضع المالي والاقتصادي إلا من خلال إعادة وصل ما انقطع مع دول الخليج، والذي له ممر إلزامي هو نزع سلاح المقاومة.
من هنا، أتى سياق “خلجنة” الأزمة اللبنانية كمقدمة لـ”تعريبها” من خلال ورقة الشروط الخليجية التي حملها وزير خارجية الكويت إلى بيروت مؤخرًا، للقول إن هذه الأزمة ليست لبنانية فحسب، وإنما هي أيضًا أزمة إقليمية، وإنْ بلون خليجي فاقع، وإن هذا البُعد مرتبط بدور إيران الذي يقوم به حزب الله في المنطقة، وخصوصًا في اليمن الذي هو مركز الهم السعودي.
وتوازيًا، تم إخراج رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، ومعه تيار المستقبل من المعادلة السياسية، وتاليًا معادلة الانتخابات النيابية كعنوان لانتهاء مرحلة ربط النزاع والمساكنة مع حزب الله والانتقال إلى مرحلة الاشتباك والمواجهة.
على الرغم من أن هذا الإخراج السعودي أربك الأوضاع على الساحة السنية وعقّدها في وجه أدوات أميركا إلى حدّ كبير، تبذل الإدارة الأميركية للملف اللبناني كل الجهود لاحتواء تداعيات إخراج الحريري وتيّاره، وتدارك ما يمكن تداركه تحت عنوان أساسي هو منع حزب الله من أن يستفيد من هذا التطوّر.
من الواضح أن التحالف الأميركي الفرنسي الخليجي، وحتى الإسرائيلي، يبني الكثير على الاستحقاق النيابي، بمعزل عن النجاح والفشل، مما يجعل الهدف المطلوب تحقيقه من حزب الله وحلفائه هو منع هؤلاء من تحقيق ما يصبون إليه من أهداف، وبالتالي المطلوب العمل على أكثر من خط وعنوان سياسي وشعبي، سواء في ما يعني الحلفاء والعلاقات والتفاهمات البينية، أم في ما يعني الناس لرفع مستوى المشاركة في الانتخابات لا سيما في بيئة المقاومة.