ناصر علي – خاص الناشر |
أن يصل خبرٌ ما إلى مستمعٍ أو مشاهدٍ أو قارئٍ أو غيرهم، ليس بالصّعب ولا غرابة، لكن استمالة القلب والرّأي فهُنا مكمن البراعة، ويبقى الأبرع هو التّعبئة المستدامة، أي أن يترك هذا الخبر أثرًا حقيقيًا وموقفًا ثابتًا في نفس المتلقّي مهما كان هذا الخبر أو المحتوى الإعلامي.
الشّاشة، الإذاعة، المنصّة الاجتماعيّة، بتعدّد وسائلها… هي اليوم ساحات الصّراع المستَحدَثة، وأبواق توجيه الجمهور من كواليسٍ تُدير المشهد كيفما تراه أو كيفما تُريده أو بالمقابل كيفما تتحقّق المصلحة العامّة والأمن الاجتماعيّ، فتنقسم المساحة بين المؤيّد والمعارض، بين المقاوم والمعتدي، بسلاح القلم والكاميرا وحتّى الهاتف الشّخصيّ قد يكون قنبلةً موقوتةً.
إنّها الحرب الّتي وإن غاب عن أنظار البعض لمعان بريق سيوفها، لكنّها أشدّ فتكًا بالفكر والتّوجّه والثّقافة والرّوح الّتي هي أساس كلّ شيء.
لم تُكتب هذه المقدّمة لكي تُخبِر بالجديد، ولكن ربّما ينفع التّذكير أو ربّما يستيقظ ضميرٌ غفا عند شرفة الأماني الكاذبة، وما أكثر مَن غفا ولن يستيقظ أبدًا.
الشّيطان والوسوسة، ليسا بالتُّهمة الملفّقة، والتّاريخ حافلٌ بالشّواهد البيّنة ولا يزال وإن تأنّق الشّرّ وارتدى القناع الّذي يُحقّق له النّفوذ والسّيطرة، باستغلال القلوب والهمم والسّواعد، حتّى التّاريخ النّضاليّ قد يحوّله معبرًا لِكسر الإرادة الصّلبة والثّابتة، فإن كان ذلك يُعَدّ حنكةً فإنّه لا محالة مستعصٍ على من أيقظ روحه بالمقاومة الّتي يدفع دمه ثمنًا لإحيائها وبقائها.
أميركا هي وجه ذلك الشّيطان، وشعبها هو الضّحيّة الأولى لِخُبثها وتغطرسها، أميركا النّهج الاستكباريّ والأنانيّة والهوى، رغم التّطوّر المبهر الّذي سرقته وحرمته شعوب العالم الّذي بات اليوم رهنًا لتقلّبات جنون العظمة المزعومة، ولكن ليس لأنّ أميركا قويّة ومقتدرة، فهي قد جبلت قوّتها بطين التّخاذل والذّل الأمميّ، وماء وجه الشّعوب المنصاعة لوهم الحرمان من الحقوق.
هذه الأميركا عندما وجدت نفسها عاجزةً عن إخضاع قلّةٍ من أصحاب الحقّ والإرادة، بالحروب العسكريّة المدعومة بالتّجييش الإعلاميّ، تلوّنت بأصباغ الحقوق والحرّيّات، مُسَخّرةً لذلك كلّ التّقدّم التّقنيّ في مجال التّواصل والإعلام، لما لذلك من أثرٍ في تثبيط الهمم الصّاعدة وتسييرها في ركب التّبعيّة العمياء، وتحطيم ثقافة الاستقلال والإعتماد على الذّات، الّتي فُطِر عليها كلّ حرٍّ واعٍ، والّتي هي أساس بناء المجتمعات القويمة المتينة، فأميركا هذه لا ترى لغيرها وجودًا، وكلّ ما هو غيرها يجب أن يكون تحت إمرتها، هكذا هي منذ الشّيطان الأوّل ولم تتبدّل.
هي قد صادفَت مصطلح “الإشاعة” فاتّخذته رأسمالٍ مُستدامًا، تبُثّ من خلاله صور الوحش الوهميّ الّذي أقنعت به الشّريحة الأوسع من الأمَم والبشر، ويا ليته كان من زجاج، لِتَقنَع بِفُتات حطامه الهزيلة تلك العقول، بأنّها غارقة في بحر الوهم العميق المظلم، لكنّه (ذلك الوحش) مجرّد وهم، والنّجاة هنا لا تتطلّب وجود قارب نجاةٍ فحسب بل إنّها تحتاج إلى براعة القبطان وشجاعته، الّذي إن وُجِد فسيُنجي الكثير من الغرقى.
كما البداية كانت بالقلم، ثمّ بالصّوت ورجعه المؤثّر، فتحدّي الصّورة وما يتبعها في مجال الحبر الخفيّ على شاشات التّلفزة والمحمول، ينبغي أن تكون هذه الوسائل، النّبع الّذي يتفجّر منه هذا الماء المفعم بالحياة لِإحياء صنوف الأذهان الغافلة، ويبقى إعلامُنا مُقاومةً، كما عساكرها، يحمل من المفاجآت ما لم يخطر في بال أدهى صُنّاع الآلة الإعلاميّة، فإنّنا لا ننتظر نصرًا فحسب بل ما بعد ما بعد النّصر وحريٌّ بأن يُنجِزَه “الإعلام المقاوم”، بسابقةٍ لا يُجارى بها.