المحتوى الفلسطيني يتحدى ويكسر القيود

مروان الخطيب* – خاص الناشر |

لطالما كانت الرواية الفلسطينية وإيصالها إلى العالم أحد أبرز التحديات التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي، فمنذ احتلال فلسطين وبدء الصراع العربي الإسرائيلي، والكيان ماض في محاربة القضية الفلسطينية وشيطنتها وقلب الحقائق على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية مسخرًا قدراته الإعلامية وإمكاناته المادية غير المحدودة لخداع الرأي العام العالمي وتبرير احتلاله واستيطانه وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني.

في موازاة الرواية “الإسرائيلية” حضرت الرواية الفلسطينية إعلاميًا وثقافيًا وأدبيًا. ومن بداية سبعينيات القرن الماضي اتجه الاحتلال إلى محاولات إخراس الصوت الفلسطيني عبر الاغتيالات التي طالت نخبًا إعلامية وثقافية مثل الأديب غسان كنفاني ومسؤول الإعلام في الثورة الفلسطينية ماجد أبو شرار، وفنان الكاريكتور ناجي العالي وقوائم كثيرة من القائمين على إبراز رواية الحقيقة، الرواية الفلسطينية.

الإعلام الفلسطيني هدف “إسرائيلي” أفشلته الإرادة الفلسطينية
الإعلام الفلسطيني الذي يقع على عاتقه كشف جرائم الاحتلال وممارساته بحق الأرض والإنسان الفلسطينيين كان على الدوام في دائرة الاستهداف لحجب الصورة. وسبق ذلك الإعلام المقاوم غير الفلسطيني مثل قناة المنار التابعة للمقاومة الإسلامية في لبنان، التي نالت نصيبها من الاستهداف نظرًا للدور الكبير الذي لعبته في كشف جرائم الاحتلال، وتغطيتها المؤثرة في انتفاضة الأقصى عام 2000، فحُجبت عن قمر النايل سات، وتم التضييق على المراسلين والصحفيين المتعاونين معها.

أبرز اشكال الاستهداف للإعلام الفلسطيني على سبيل المثال لا الحصر تجلى في استهداف فضائية فلسطين اليوم، حيث أغلق جيش الاحتلال عام 2016 مكاتب فضائية فلسطين اليوم في الضفة الغربية، بعد دهم مكاتبها في مدينة البيرة ومصادرة معداتها واعتقال مدير مكتبها وعدد من الصحافيين. كما تم التضييق على الفضائية ومنعها من ممارسة عملها في مدن الضفة الغربية واعتقال مراسليها.

وفي عام 2021 وخلال الاعتداءات على قطاع غزة استهدف طيران الاحتلال “الإسرائيلي” مبنى فضائية الأقصى ودمرها بشكل كامل . ولم يسلم الصحفيون الفلسطينيون في ميدان المواجهات من الاستهداف المباشر، ونستذكر هنا الصحفي معاذ عمارنة الذي استهدفه جنود الاحتلال برصاصة معدنية في عينه اليسرى في تشرين الثاني 2019 خلال تغطيته للمواجهات مع قوات الاحتلال في بلدة صوريف قرب الخليل. ورغم كل هذه الاجراءات إلا أن الصوت الفلسطيني بقي عاليًّا، فالفلسطينيون لن يعدموا الوسيلة.

• الحرب على المحتوى الرقمي الفلسطيني تجلى خلال معركة (سيف القدس) وأحداث كثيرة شهدتها الساحة الفلسطينية مؤخرًا.
• الإعلام الرقمي ساحة معركة، وتحيز واضح من إدارة فيسبوك (META) للكيان الاسرائيلي.

الإعلام الرقمي ساحة مواجهة حامية لفضح الجرائم “الاسرائيلية”، والحرب على الصفحات الفلسطينية والمناصرة للقضية سياسةٌ تبنتها إدارات مواقع التواصل العالمية بذريعة مخالفة المعايير الاجتماعية والتحريض على العنف.

الأرقام والاحصائيات كشفت الكثير من الانتهاكات. لجنة دعم الصحفيين (JSC) وهي منظمة غير حكومية رصدت 220 انتهاكًا بحق المحتوى الفلسطيني عبر مواقع التواصل الاجتماعي في عام 2021، حيث أغلقت العشرات من الصفحات الفلسطينية.

موقع فيس بوك كان جزءًا من المعركة على المحتوى الرقمي حيث عمل على تعطيل وحذف حسابات ومواقع إخبارية فلسطينية.
المنصات الأخرى على الانترنت لم تكن بعيدة عن هذه السياسة، مثل يوتيوب وانستغرام وغيرهما، وكافة المنصات العالمية حاربت المحتوى الرقمي الفلسطيني، ناهيك عن السياسة الأميركية التي كانت حاضرة في معركة إخراس الصوت الفلسطيني وصوت المقاومة عبر حجب مواقع الويب التابعة لاتحاد الإذاعات الإسلامية بقرار من الإدارة الأميركية.

معركة سيف القدس وقضايا الأسرى والاستيطان والتطبيع مع “اسرائيل” حضرت في مواقع التواصل، وكان تفاعل الناشطين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين كبيرًا جدًّا على صفحات فيس بوك وتويتر وانستغرام ويوتيوب عبر نشر انتهاكات الاحتلال وجرائمه. لكن هذا التفاعل شهد تضييقًا بغية إخراس صوت الحقيقة وحجب الصورة، ولكن رغم الاستهداف إلا أن الشعب الفلسطيني استطاع أن يحقق إنجازات هامة تحدت الإجراءات التضييقية حيث أصبحت قضية الشيخ جراح الترند العالمي في معظم منصات التواصل، وتابعنا كيف اهتم المؤثرون العرب والعالميون بهذه القضية وتفاعلوا معها عبر هاشتاغ أنقذوا حي الشيخ جراح. معركة سيف القدس أيضًا كانت محط اهتمام الناشطين على التواصل الاجتماعي لكشف زيف الرواية “الإسرائيلية”.

النجاح الكبير في عرض الإنجازات الفلسطينية وفضح الاحتلال “الإسرائيلي” عرَّض الناشطين الفلسطينيين والعرب على فيسبوك وتويتر لإنذارات بالحظر وإغلاق حساباتهم بعد رصد المنشورات والمواد المعروضة عبر الخوارزميات التي طورتها مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن رغم كل هذا الحظر المفروض إلا أن الشباب الفلسطيني والعربي المتضامن معه قادر على ابتداع الأساليب والالتفاف على هذه الخوارزميات لإبقاء صوت الحق والحقيقة حاضرًا. ونستحضر ختامًا ما قاله الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي: فلسطين مركز الصراع الكوني بين تمام الحق وتمام الباطل.

*صحفي فلسطيني مقيم في لبنان

اساسي