إعلام المقاومة: المسؤولية الكبيرة والضوابط والمعايير

محمد شري* – خاص الناشر |

من البديهيات التسليم بأهمية الإعلام ليس فقط في عصرنا الحالي فحسب بل من قديم الزمان. وليس صدفة أن تكون معجزة الإسلام الكبرى هي القرآن الكريم الذي شكّل أعظم وسيلة إعلام باقية ومؤثّرة على مر العصور.

من هنا أبدأ القول إن أهمية الإعلام تبدأ أولًا من مصدر هذا الإعلام . هل هذا المصدر صاحب صدقية؟ هل معروف عنه الصدق والالتزام والمسؤولية والعلم؟ أم أنه مصدر لا يراعي هذه الصفات ولا يرعوي عن الكذب والافتراء؟ هذا فارق جوهري يختصره في عالمنا المعاصر نموذج إعلام حزب الله ومثاله الأكبر سماحة السيد حسن نصر الله، ويقابله على المستوى الدولي الإعلام الأميركي ومثاله دونالد ترامب وجورج بوش الابن وأكاذيبه الصريحة لتبرير حربه على العراق.

يقول الله سبحانه وتعالى “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”.
وعليه، فإن الأساس يبدأ من صدقية المصدر، هل هو من أهل الصدق والثقة أم عكس ذلك؟

ومن هنا فإن الانتماء لإعلام حزب الله وإعلام المقاومة يوجب مسؤولية كبيرة ويلزم صاحبه بمعايير وضوابط حازمة يراها الآخرون قيودًا تحدّ من قدرة الإعلام على الانتشار والمنافسة مع الوسائل الإعلامية المتفلتة من كل الضوابط .
كما عبّر عنه شعار قناة المنار في ذكرى تأسيسها الثلاثين:

أول هذه المعايير: الصدق والصدقية
هذه قاعدة حاكمة فلا نقول إلا ما نعرف أنه حقيقة، ولو على حساب السبق الصحفي، فيما وسائل الإعلام الأخرى تتسابق في نقل الأخبار دون تمحيص أو دليل، بل يتسابق بعضها في اختراع الأخبار ولا يهمها أن تعود للنفي وهي تدّعي أنها بذلك حقّقت سبقين الأول إذاعة الخبر والثاني نفي الخبر، هذا إذا نفت. بينما إعلام المقاومة، وهنا أتحدث عن الإعلام المباشر، ومنه قناة المنار، يحرص كل الحرص على هذه الصدقية التي كرّست حضوره وجعلته متميّزًا ومؤثّرًا وفاعلًا باعتراف العدو كما الصديق.

وهذه الصدقية هي أحد أبرز عناصر القوة في هذا الإعلام، وهي بالمقابل، أبرز عناصر الضعف في إعلام الخصوم والأعداء رغم كثافة حضورهم وضخامة إمكاناتهم على عكس ما يتوهمون.

ثاني هذه المعايير: المسؤولية
المسؤولية بأبعادها الوطنية والأخلاقية والإنسانية والشرعية، فإعلامنا ليس مؤسسة تبغي الربح وليس إعلامًا للإعلام، فلا نبحث عن الإثارة السلبية لجذب الجمهور أو استفزازه وتحريضه على بعضه البعض، حتى في خصوماتنا السياسية لا ننفعل ولا نستدرج الى مربع الفتن الأهلية والطائفية والمذهبية التي لا يرعوي الآخرون عن اللعب بها واستغلالها الى أبعد الحدود وأبشعها. وهذا ما يعتبره البعض نقطة ضعف فيما هو امتياز وواجب وطني وأخلاقي وإنساني.

ثالث هذه المعايير: وضوح الأهداف والأولويات
وأولى هذه الأولويات هي المقاومة، أعجبَ البعضَ ذلك أم كرهه، لم ولن نحيد عنها مهما كانت التحديات والأعباء ومحاولات الإشغال والضغوط والحملات. لن نضيع البوصلة إطلاقًا. تحمّلنا أذى كبيرًا، وهل من أذى أكبر من الأذى الذي تعرضنا له خلال حرب تموز وانخراط البعض في المعركة الى جانب العدو فيما كانت دماء أبناء شعبنا تسفك على الهواء؟ لم ننجر الى رد فعل أو انفعال أو غضب لتنفيس ما يعتمل في صدور شعبنا وناسنا، وبذلك انتصرنا على أنفسنا ومن ثم على أعدائنا وخصومنا.


هل من أذى أكبر مما تعرضنا له خلال حربنا مع الإرهاب التكفيري الذي ادعى العالم كله محاربته بالإعلام والتصريحات فيما كنا نحاربه بالدم والشهادة؟ ومع ذلك كانت كل الحملات على المقاومة وإعلامها بدل أن تكون على الإرهاب ورعاته الحقيقيين . ومع ذلك صبرنا على هذا الظلم وانتصرنا وحفظنا بلدنا لأننا نعرف أولوياتنا ونعرف أن قبلتنا الأولى هي القدس وعدونا الأساس هو الكيان “الإسرائيلي”.

ثاني هذه الأولويات الحرب الاقتصادية والمالية ومواجهة الحصار الأميركي الخليجي والدفاع عن مصالح شعبنا بعد أن بلغ الانهيار الاقتصادي حدود الكارثة .

من هنا أفردت المنار المساحة الواسعة والمفتوحة لهذا البعد الاجتماعي، واستحضرت قضايا الناس وهمومهم وصوتهم المباشر وتابعت مشاكلهم وحاجاتهم الاجتماعية والخدماتية والمطلبية في نشرات الأخبار والبرامج المتخصصة اليومية وبرامجها السياسية والعامة، مع ملاحظة فارق ميّزنا عن الآخرين الذين امتهنوا أسلوب التشهير والاتهام بكل اتجاه وجعلوا عنوان الحرب على الفساد طريقًا لتحقيق أجندات سياسية مكشوفة في خدمة السياسة الأميركية. فنحن لسنا قضاة كما يفعل الآخرون فلا نطلق الأحكام والاتهامات جزافًا ولا نلجأ لشهود الزور، نحن من مدرسة “قل هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين”.


إن منظورنا للفساد في لبنان لا يقتصر على فساد أفراد أو أشخاص بل هو منظومة فساد متكاملة وآليات فساد وثقافة فساد تكاد لا توفّر مجالًا أو قطاعًا، وعليه فالإصلاح ومحاربة الفساد في جوهره يجب أن يطال هذه المنظومة وهذه الآليات وهذه الثقافة، لا أن نكتفي بتغيير شخص هنا أو هناك حتى لا يكون التغيير شكليًّا في اسم الفاسد وليس في القضاء على الفساد، وحجتنا في ذلك أن أكثر مدّعي محاربة الفاسدين اليوم في وسائل الإعلام هم أنفسهم فاسدون بل أمثولة في الفساد كما هو معروف عن أكثر من وسيلة إعلام والقيّمين عليها.

يمكنني القول إن مستوى إنجاز إعلام المقاومة يقاس بمستوى التحدي، ألم نطّلع جميعًا على التصريحات التي كشفت عن مليارات الدولارات التي صرفت ولا تزال لتشويه صورة المقاومة، وعن جيش وسائل الإعلام والإعلاميين المسخرين لهذه الغاية بحيث بات الهجوم على المقاومة أهم وسيلة ارتزاق لهذا الإعلام من رعاته الخليجيين والدوليين؟

ألم تعقد المؤتمرات والندوات والأبحاث الدولية والاقليمية وسخّر لها أشهر الباحثين والخبراء والنخب في لبنان والعالم العربي بل والدولي لفك شيفرة حزب الله؟ ألم تعقد الندوات المتخصصة في الكونغرس ووزارة الخارجية الأميركية لبحث كيفية تشويه صورة حزب الله؟ ومع ذلك ماذا كان المردود؟

في مقابل إعلام المقاومة بإمكاناته وحجمه قياسًا بأحجامهم وإمكاناتهم، إن الصمود في هذه المعركة والمواجهة لا يقل أهمية عن الصمود في الحرب العسكرية. وقد أقرّت المراكز المعنية في المملكة السعودية بهزيمتها وإحباطها وفشلها في هذه المواجهة قياسًا إلى حجم ما صرفت من أموال ووظفت من طاقات في مقابل فعالية إعلام حزب الله وتأثيره. وكما في الحرب هناك خسائر لكن العبرة في النتائج.

أليس نجاحًا لإعلام المقاومة أن يصمد جمهورها وشعبها كل هذا الصمود في ظل هذه الحرب الشاملة الإعلامية والسياسية والاقتصادية التي يتعرض لها، وأن يكون حزب الله رغم كل ذلك الحزب الأكبر شعبية في لبنان باعتراف الجميع وفي ظل الواقع السياسي المعقّد والحساسيات الطائفية والمذهبية والسياسية حتى بين الحلفاء ؟

أليست الحرب الشاملة على إعلام المقاومة لمنعه من الوصول الى المشاهدين عبر كل الأقمار الصناعية أو عبر الفضاء الالكتروني شهادة على قدرة هذا الإعلام وفاعليته وتأثيره .
ونحن مع ذلك إعلام منفتح على الآخر المختلف ممن يبادلنا الاحترام والانفتاح، دعاة حوار ولقاء على المشترك الانساني والوطني فيما الآخرون دعاة إقصاء وإلغاء وتنمر وعنصرية وفوقية واحتكار للهوية الوطنية باعتبارنا جالية أجنبية واحتلالًا خارجيًّا .

لا أبغي في هذه المقالة تنزيه إعلام المقاومة عن نقاط الضعف أو عن التقصير أو القصور أو عن النقد البناء، وهو بالتأكيد أمر طبيعي بل وضروري وشرط للتطور ومعالجة الأخطاء، فالمرض من طبيعة الحياة ولسنا محصنين من الأمراض ولسنا من دعاة نفيها أو تجاهلها لتفتك بجسدنا .

لكن أن يرى البعض أن إعلام المقاومة فاشل وجامد فهذا غير منصف وغير موضوعي، وهو يأتي من خلفية ذهنية من خارج فكر المقاومة وثقافتها وبيئتها، لا سيما الذهنية اليسارية، هذا اليسار الذي انشطر فمنه من ارتد وانضم الى معسكر اليمين الأميركي والسعودي ومنه من اتجه نحو يسار ثوري ينظر من بعيد لا يعطي للواقعية والواقع اي اعتبار .

ففارق كبير بين أن تكون في قلب المعركة تخوضها وتتعرض لنيرانها وبين أن تكون مراقبًا من بعيد، مع احترامنا للجميع وتقديرنا لكل المهتمين ولكل الناقدين، عسى أن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

*إعلامي لبناني

اساسي
Comments (0)
Add Comment