يخضع الإعلام المقاوم باعتباره نوعًا من الإعلام إلى ذات المنظومة التي يمكن تقييم الإعلام بها والمتمثلة في مجموعة من الضوابط يأتي على رأسها المهنية والمصداقية.
وإن كان الإعلام بشكل عام يدعي الحياد وهو ادعاء باطل، حيث لا يوجد إعلام محايد، وإنما يخضع لأجندات تمويلية تارة، ولتوجهات مالكيه أفرادًا أو دولًا تارة أخرى، فإن الإعلام المقاوم هو الوحيد الذي يعلن انحيازه ويعترف به، باعتباره ممثلًا للمقاومة.
إلا أن هذا الانحياز المعلن لا يعفي الإعلام المقاوم من الالتزام بالضوابط الرئيسية وعلى رأسها المهنية والمصداقية، كما يخضع لضوابط مضافة كونه صوتًا للمقاومة.
وهذه الضوابط المضافة تنبع من المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه باعتباره يمثل المقاومة، فهو مطالب بالحفاظ على سمعتها ومنظومتها القيمية وعلى رأسها الصدق والشرف والالتزام الأخلاقي تجاه الأنصار والأعداء على حد سواء.
هنا نجد أن الإعلام المقاوم مطالب بأن يكون متطورًا ومهنيًا وموضوعيًا وأخلاقيًا، وهي مهمة عسيرة وصعبة ومسؤولية كبرى تجعل منه عملًا مضنيًا يتطلب جهدًا مكثفًا ويقظة دائمة.
ولعل إعلام الخصوم والأعداء قد تحرر من القيم الأخلاقية، فلا يكف عن بث الدعايات الكاذبة والفبركات، وتزييف الوقائع وتشويه التاريخ وتضليل الجماهير، مستعينًا بإمكانيات مادية كبيرة على مستوى الصورة والتقنيات المتطورة والانتشار المكثف، باعتبار أنه السلاح الرئيسي للأعداء.
بينما الإعلام المقاوم لم تتوفر له ذات الإمكانيات لاعتبارات الحصار الاقتصادي من جهة، ولاعتبارات الأولويات، حيث يعتبر سلاحًا من ضمن أسلحة المقاومة وليس سلاحها الرئيسي، وتوجه الإمكانات المادية الرئيسي للجبهات وتطوير الردع ومعالجة آثار الحصار للشعوب المقاومة.
ومع ذلك فقد خضع الإعلام المقاوم لكثير من التطوير ومواكبة العصر والتقنيات، وامتلك كوادر تتميز بالكفاءة وتعمل بروح الجندية دون النظر للتربّح، حيث يعتبر الكثير من العاملين في إعلام المقاومة أنفسهم جنودًا في المعركة وعلى جبهة من أهم الجبهات.
وعندما نتعرض بالنقد لإعلام المقاومة فإن النقد هنا لا يتعلق بالخطاب أو بانحراف عن طريق المصداقية والشرف، ولكن ربما يتعلق النقد ببعض الجوانب المهنية.
وهنا، ونحن نتحدث من داخل المعسكر المقاوم، فإن الحديث يهدف لعلاج بعض الخلل بجوانب تتعلق بمفهوم المهنية الإعلامية، وذلك حرصًا على أداء الرسالة الإعلامية المقاومة.
ولعل أبرز الجوانب التي تحتاج للتطوير هي فتح المجال قليلًا أمام بعض الآراء والانتقادات الداخلية والتي يعبر عنها جمهور المقاومة دون وجود أصداء لها في قنواتهم ومواقعهم المقاومة التي يتشوقون لرؤية هواجسهم أو انتقاداتهم على شاشاتها أو سطور صفحاتها.
ونعلم أن هناك حساسيات بالغة لدى المقاومة في كثير من الملفات الشائكة، ونعلم أن هناك أيضًا ضوابط مضافة بفعل الحصار والاستهداف والمؤامرات التي تحاك ضد المقاومة في لحظات بالغة الخطورة والحساسية، ولكن وبالمقابل لا بد من الاعتناء بالجبهة الداخلية وعدم السماح بانفراط عقدها تحت وطأة تجاهل بعض الالتباسات والتي لا تجد فكًّا لها في إعلامها.
وهنا نرى أن يتم الفصل بين التصريحات الرسمية التي تتحمل مسؤوليتها حركات المقاومة، وبين بعض ما يقدم على شاشاتها أو صحفها أو مواقعها من تناول لبعض الملفات التي تؤرق الجماهير، مع التأكيد على أنها مساحات حرة لا تتحمل المقاومة مسؤوليتها.
الأمر الآخر، هو حتمية التنوع في التحليلات، وتنويع الوجوه الإعلامية، فالمتابع للصحف والشاشات، يرى أن هناك وجوهًا ثابتة وكأنها موظفة وهي الوحيدة المنوط بها التحليل، ومع كامل الاحترام لهذه الوجوه والأسماء ومع كامل التقدير لجهدها وخبراتها وتحليلاتها، إلا أن الإعلام المقاوم عليه أن يكتشف وجوها جديدة تكون بجانب هذه الخبرات كي تجدد دماء التحليل والرصد وتضع نوعًا من المنافسة الحميدة تجبر الوجوه الصاعدة على التجويد وتجبر أيضًا الأسماء الكبيرة على المزيد من الإبداع والتجديد، وهو ما يصب في الصالح العام.
ونؤكد هنا أن كثيرًا من كوادر المقاومة قد قطعوا شوطًا كبيرًا في التطور ومواكبة العصر والوصول لقطاعات كبيرة من الجماهير، وعلى المنابر الكبيرة للمقاومة الاستعانة بهذه الطاقات وتطوير أدواتها كي تصل لقطاعات أكبر وتنجح في إيصال رسائلها.