نحو صياغة مكونات جديدة لإعلام المقاومة

مروى عثمان* – خاص الناشر |

للإجابة عن السؤال: ما هو دور الإعلام المقاوم في توعية المجتمع المدني الإقليمي والعالمي؟ قد يكون أحد الردود ذات الصلة كالتالي: دور الإعلام المقاوم إعداد مكان للتعلم التجريبي يساعد في خلق مناخ ثقافي للمواطنين يكون بطبيعته سياسيًا وديمقراطيًا ومستقلًا عن وسائل الإعلام الجماهيرية الخاضعة للسيطرة الغربية. هذا هو الدور الذي نطمح أن يلعبه إعلام محور المقاومة.
تَعتبر شعوب غرب آسيا على وجه الخصوص وسائل الإعلام المقاومة بمثابة أدوات قوة أساسية لمجتمع السكان الأصليين الذي يتمتع بمزايا نقل المعرفة، تلك المعرفة التي تنتج عن نهج التوعية الذي يمكن تنفيذه في الأنماط الرسمية أو غير الرسمية من التقارير، أي في تقارير الأخبار التلفزيونية العادية، أو في وسائل الإعلام البديلة للبيئات الاجتماعية للمقاومة مثل استوديوهات الإنتاج أو الإنتاجات “في ميدان المعركة” (كالإعلام الحربي).

في عصر احتكار وسائل الإعلام وإضفاء الطابع المؤسساتي عليها، تقدّم حركات المقاومة للمجتمعات الأصلية في غرب آسيا إمكانية الانضمام الى عملياتها العسكرية ومشاركتها الانتصارات والتضحيات على أرض المعركة كبديل للشركات الإعلامية الجماهيرية الاقليمية والغربية التي تشكل حاجزًا مانعًا أمام “التقارير في الوقت الحقيقي” real time reporting، والحوار المفتوح والتفاعل بين مجتمعات المقاومة والمجتمعات المدنية العالمية.

تنقسم وسائل الإعلام في منطقة غرب آسيا بأكملها، وخاصة في العالم العربي إلى عدة أنواع، تسودها ثلاثة أنواع أساسية: الإعلام المعادي لأميركا والمناهض للصهيونية (المعروف باسم إعلام المقاومة)، والإعلام المتنازِل، والإعلام الصهيوني. النوع الأخير يجتمع بقوة مع وسائل الإعلام المتنازِلة.

تلعب وسائل الإعلام الصهيونية ووسائل الإعلام المتنازِل الداعمة للصهيونية دورًا رخيصًا وتحريضيًا، بهدف تشويه وإرباك قضايا أمتنا المحقة، من أجل خداع الرأي العام وتضليله. إلا أن هذا النوع من الإعلام يلعب دوره دون أي تقصير.

في المقابل، على مستوى إعلام المقاومة وتحديدًا في لبنان، لم تنجح القنوات الفضائية الموجودة في القيام بدورها بمستوى المنافسة الموجودة على الساحة اللبنانية والإقليمية.

وتعود أسباب عدم النجاح هذا إلى احتلال الشاشة من قبل الوجوه نفسها، دون السعي إلى حقن دماء جديدة، حيث تسيطر المحسوبية و”الصداقات” على الإعلام اللبناني بشكل خاص، والإعلام الإقليمي بأكمله بشكل عام، بغض النظر عن نوعه. في حين أن هناك عوامل واضحة تعرقل تطور إعلام المقاومة، بدءًا من تفضيل التقدم العسكري للمقاومة على ثقافة المقاومة رغم أن كلاهما متلازمان لدى الرأي العام.

وبينما كانت الناحية التي تنشط فيها وسائل الإعلام المناهضة للمقاومة هي احتلالها للوعي الجماهيري، نلاحظ أن الغزو الثقافي المناهض للمقاومة لم يختفِ مع انتهاء الاحتلال الجغرافي، حيث تفوقت المقاومة العسكرية. وهنا يكمن ضعف المقاومة إعلاميًا بعدم تحدي هذا العدو الذي ينجح تكرارًا بغزو عقل مجتمع المقاومة من خلال مختلف البرامج المرئية والمسموعة.

أحد العوامل الأخرى التي لعبت ضد الجهود الحالية التي تُبذل في وسط المقاومة هو التأخر التقني الموجّه المتعلق بالتسارع التكنولوجي الذي تتقنه فرق الإعلام المناهض للمقاومة.

لقد وضعت مواقع التواصل الاجتماعي في مجال الإعلام والاتصال وسائل الإعلام المقاوِمة أمام العديد من التحديات الجديدة، وفتحت مواجهة مباشرة مع التوحيد الثقافي وأتقنت بثّ الأخبار الكاذبة وطوّرت “المعايير المجتمعية” التي لا تنتهي التي يفرضها عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي على شكل قوانين صارمة للنشر تؤدي إلى تقليص الوصول (reach) وتقريبًا القضاء على التأثير.

يبدأ إخراج إعلام محور المقاومة من الحلقة التقليدية غير المنتهية بتقديم مقترحات إعلامية تناسب المواجهة مع عمالقة الإعلام المناهضين للمقاومة وتوقعات جماهير المقاومة. يُعدّ تنوع ساحات المقاومة من أقوى نقاطها في مواجهة أسلوب إعلام أعدائها الصدامي الذي يساعدها على الخروج من الحلقة التقليدية. يعتبر اتخاذ الجانب الهجومي في وسائل الإعلام بنفس فعالية القيام بذلك في ساحة المعركة لا بل ويبقى أثره لفترة أكبر في ذاكرة المشاهد.

وبالتالي، فإن العمل على بناء وعي إعلامي مشترك في ساحات المقاومة المتنوعة تلك أمر لا بد منه. الهجوم الآتي من الإعلام المناهض للمقاومة قد يأتي بشكل واحد، لكن تأثيره يختلف باختلاف ساحات المقاومة. على سبيل المثال، يختلف تأثير أخبار العدو على الساحة السورية عن تأثيرها على الساحة اليمنية.

إن بناء وعي إعلامي مشترك في جميع ساحات المقاومة سيجعل من الأسهل بكثير استيعاب الهجوم الإعلامي المناهض للمقاومة والرد بمضادات إعلامية فعالة، مع بناء تكتيكات جديدة لاستخدامها كهجوم من خلال توقع الهجمات المستقبلية بدلًا من الجلوس في انتظار الهجمة القادمة من وسائل الإعلام المعادية.

يمكن القيام بذلك عن طريق التأكد من أن المؤسسات الإعلامية تضم مقاتلين جديرين بالثقة من أجل القضية، تمامًا مثل فيالق المقاومة العسكرية، بدلًا من أصحاب المصالح والأجندات التي تضر بتقدم إعلام المقاومة.

على القائمين على إعلام محور المقاومة أن يعملوا بفاعلية على تصحيح الانحراف الذي يعاني منه المكلّفون بإدارة البرامج السياسية، بحيث لا يقتصر المحتوى والإعداد على رغباتهم من أجل أن يتمادوا بأنانية ويزدهروا كأفراد. ثم فليتبعوا هذا النهج ويطوروا البرامج الثقافية والدينية والبيئية والقضائية أيضًا. لا ضرر في المرور كذلك على برامج الأطفال.

إذا تبنى إعلام محور المقاومة هذه التعديلات، فلا شك في أن التعلم التجريبي سيصل إلى ذروته وسيؤدي إلى مناخ ثقافي للمواطنين المحليين وغيرهم يدفعهم قدر الإمكان بعيدًا عن وسائل الإعلام الغربية المناهضة للمقاومة. حينها فقط، ستسود الحقيقة كالسيل على وابل أخبار العدو المزيّفة والمغلّفة بشكل جميل يسهل استيعابها.

*أستاذة جامعية معدّة ومقدّمة برنامج MidEaStream على قناة Press TV

اساسيالاعلام المقاوم