نشر مجلس الشيوخ الأميركي (12 يناير / كانون الثاني) الماضي، مسودة عقوبات سيتم فرضها على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيًا وعلى القيادة الروسية بأكملها. عقوبات ستفرض في حالة “غزو القوات الروسية لأوكرانيا”.
وقدمت الوثيقة مجموعة من 25 عضوًا في مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي بقيادة رئيس لجنة العلاقات الخارجية روبرت مينينديز تحت شعار “قانون حماية سيادة أوكرانيا”.
“من الضروري فرض عقوبات على المسؤولين، بمن فيهم الرئيس بوتين، ورئيس الوزراء، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة وقادة مختلف فروع القوات المسلحة “، كما جاء في مشروع القانون.
كما اقترح أعضاء مجلس الشيوخ حظر المعاملات مع الديون السيادية الأولية والثانوية لروسيا، فضلًا عن فرض قيود على مؤسسات مالية مقترحة: Sberbank وVTB وGazprombank وVEB.RF، Russian Direct Investment Fund، Moscow Credit Bank، Alfa- Bank، ،Rosselkhozbankو Sovcombank وTranscapitalbank. كما تم اقتراح عقوبات ضد “مقدمي خدمات الرسائل المالية المتخصصة SWIFT)”.
كل هذه العقوبات ستجد طريقها الى التطبيق القاسي في حالة تفاقم الوضع في أوكرانيا او قيام روسيا بأي هجوم عسكري . وكما جاء في نص الوثيقة، فإنها “تبعث بإشارة واضحة” حول استعداد الولايات المتحدة لفرض “عواقب وخيمة” على الاقتصاد الروسي، وسوف يتم تقديم مساعدات مالية الى كييف تصل الى 500 مليون دولار.
وكان مسؤول أميركي رفيع قد اعلن أن حزمة العقوبات الاقتصادية التي تُعدّها واشنطن للرد على أيّ غزو روسي لأوكرانيا ستشمل قيودًا غير مسبوقة على صادرات معدات التكنولوجيا المتقدمة الأميركية. وقال المسؤول: “نتحدّث عن تكنولوجيا متقدمة نصممها وننتجها”، مثل الذكاء الصناعي والحوسبة الكمية وتكنولوجيا صناعة الطيران، وهو ما “سيضرب بشدة طموحات (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين الاستراتيجية لتحويل اقتصاده نحو التصنيع”.
أما بالنسبة لروسيا، فهي ليست المرة الأولى التي تواجه فيها مثل هذه العقوبات او يتم فرضها بالتوالي. وقد ردت روسيا بفرض عقوبات وردود سياسية على اقتراح أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي.
يقول الكرملين علنًا إنه قلق بشأن مخاطر العقوبات، وقد اتخذ خطوات للحد من تأثيرها المحتمل. كما تعهد الرئيس الروسي بوتين مرارًا بأن التهديد بفرض قيود جديدة لن يغير سياسته الخارجية.
بدوره، أشار سفير روسيا في واشنطن أناتولي أنطونوف، إلى أن “العقوبات الأميركية ضد روسيا لن تسفر عن نتائج إيجابية، ولن تغير السياسة الخارجية أو الداخلية لروسيا”. وشدد أنطونوف على أن “هذه العقوبات، لن تجبر موسكو على التصرف كما ترغب واشنطن”، داعيًا إلى “العمل لحل المشاكل المحددة، بدلًا من محاولات التهديد”، لافتًا إلى أن “اختيار كيفية بناء العلاقات بين الدولتين، يقع على الولايات المتحدة”. وأكد السفير أنطونوف، أن 28 دبلوماسيًّا روسيًّا سيغادرون الولايات المتحدة بحلول 30 يونيو المقبل. وأضاف الدبلوماسي الروسي “جرت في فيينا مشاورات روسية-أميركية حول القضايا محل الخلاف. الزملاء الروس ذهبوا إلى هناك ببرنامج إيجابي يهدف لشيء واحد فقط، وهو رفع جميع القيود على أنشطة الدبلوماسيين في الولايات المتحدة وروسيا، وإعطاء الفرصة لهم للعمل بهدوء ووقف حرب التأشيرات، واستعادة النشاط الطبيعي لبعثاتنا الدبلوماسية”. وتابع قائلًا: “للأسف تلقينا في هذه المشاورات ردًّا سلبيًّا”.
للتذكير فإن إجماع الحزبين في سياق العقوبات لا يمكن وصفه بالصدفة. كان غياب هذا الإجماع هو الذي أدى إلى حقيقة مفادها أن مقترحات مينينديز السابقة المماثلة لم يتم دعمها او تبنيها. وكان مينينديز قد اقترح بالفعل أن يُدرج في خريف عام 2021، كتعديل لميزانية الدفاع الأميركية لعام 2022، عقوبات مماثلة ضد القيادة الروسية والرئيس الروسي شخصيًا فلاديمير بوتين.
ومع ذلك، قام الجمهوريون بعد ذلك بمنع تمرير مشروع القانون. ولم تتضمن الميزانية النهائية البالغة 768 مليون دولار التي وقعها الرئيس جو بايدن في نهاية ديسمبر 2021 مقترحات الديمقراطيين.
بشكل عام، وأصبحت العقوبات موضع تساؤل بالفعل في الولايات المتحدة نفسها. في الوقت نفسه، يدرك الاميركيون جيدًا أن بعض العقوبات ستضرب الحلفاء الاوروبيين في المقام الأول.
وتؤكد التصريحات الأخيرة من قبل المفوضية الأوروبية مخاوف الدول الأوروبية، ولا سيما أن الحديث يدور حول توجه المفوضية نحو اتخاذ خطوات للرد على العقوبات الأميركية ضد روسيا في حال لم تقدم واشنطن أي ضمانات لها في هذا المجال”.
خرج الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أيام ليهدد بفرض عقوبات ذات “تأثير مدمر” للاقتصاد الروسي إذا غزت روسيا أوكرانيا، لكن يبدو أن الأضرار لن تكون على قدر هذا الوصف، إذ يتوقع خبراء اقتصاد ألا تكون التأثيرات بهذا السوء، لا سيما في ظل الحصون المالية التي شيدها الكرملين على مدار السنوات الثماني الماضية، عقب فرض الغرب عقوبات على موسكو بسبب “ضم” شبه جزيرة القرم.
وبعد التهديد الأميركي بالعقوبات ضد روسيا، لوحت دول أوروبية عدة بإجراءات رادعة، كما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين “إن الاتحاد الأوروبي أعد حزمة عقوبات “قوية وشاملة” لفرضها على روسيا إذا واصلت عدوانها على أوكرانيا”.
إن كل ما يهم الاتحاد الأوروبي هو مصالحه الاقتصادية التي تضعها واشنطن على ما يبدو على المحك، وفضلا عن ذلك فإن ارتفاع أسعار الغاز يعني ارتفاع أسعار الطاقة الكهربائية وثمن السلع الأوروبية التي لن تستطيع حينها منافسة نظيراتها الأميركية في السوق العالمية، ولذلك تدور تساؤلات كثيرة في الأوساط الاقتصادية عما إذا كانت العقوبات الأميركية ستضر أكثر بروسيا أم الاتحاد الأوروبي. بحسب الخبير في صندوق أمن الطاقة الوطني الروسي إيغور يوشيكوف.
“قنبلة بروكسل”
بلجيكا هي الدولة التي يوجد في عاصمتها بروكسل مقر الناتو. إلى الجنوب الغربي من بروكسل، على بعد عشرات الأمتار من طريق بروكسل السريع في منطقة بوليفارد ليوبولد الثالث، وفي العاصمة البلجيكية بروكسل يوجد المقر الرئيسي لشركة SWIFT، وهي شركة سيتعين على الولايات المتحدة فرض عقوبات عليها إذا تم تمرير مشروع قانون الديمقراطيين. لذلك، ستؤثر العقوبات أيضًا على بلجيكا، حليف الولايات المتحدة. قياسا على العبارة الشائعة “قنبلة فورونيج”، التي تصف الهجوم على الذات، وهنا يمكن للمرء أن يتحدث عن “قنبلة بروكسل”.
واشار مدير قسم التعاون الاقتصادي التابع لوزارة الخارجية الروسية ديمتري بيريشيفسكي، الى ان “SWIFT هي شركة دولية خاصة مقرها بلجيكا، ومن غير المفهوم تمامًا كيف أن الأميركيين سوف ينفذون تهديداتهم. على الرغم من أننا جميعًا ندرك جيدًا أن نفوذ الولايات المتحدة لا يزال كبيرًا، فإننا مستعدون لأية مفاجآت. ومع ذلك، أكرر: لا توجد احتمالات حقيقية لفصل روسيا عن سويفت “.
الجدير بالذكر أنه حتى في وسائل الإعلام الغربية، حين ظهرت معلومات حول احتمال انفصال روسيا عن SWIFT في ذلك الوقت، تبين ان ذلك سوف يكون اشكالية كبيرة للولايات المتحدة والاوروبيين. وتجنبًا ً للعقوبات والمخاطر المجتملة، قامت روسيا بانشاء نظام مالي على طريقة سويفت اي ارسال التحذيرات المالية من قبل بنك روسيا، ويمكن استعمال هذا النشاط ليس في روسيا فقط وانما مع المصارف الاجنبية او التي لها علاقة بالنظام المالي الروسي الذي يعمل على مدار الساعدة في تقديم الخدمات الى الزبائن والمودعين وقد انضم الى هذا النظام اكثر من 335 مؤسسة بما في ذلك 38 مستخدمًا من تسع دول. هذا ما اشار اليه مسؤول المدفوعات الوطنية في بنك روسيا المركزي دينيز باريشكوف. واضاف بيريشيفسكي إن بنك روسيا أدرك إمكانية تنظيم بوابة على موقع بنك مركزي أجنبي أو شركة تابعة له من أجل التفاعل السلس بين البرنامج الخاص للأمن الغذائي ونظام الرسائل المالية المحلي.
أما فيما يتعلق برئيس روسيا، ورئيس الوزراء، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، وقادة مختلف فروع القوات المسلحة، فلن تخيفهم بالتأكيد العقوبات الشخصيةعلى اعتبار انه ليس لديهم حسابات في بنوك أجنبية ولا عقارات في الخارج.
الأهم من ذلك كله، أن العقوبات ستضر بالأميركيين أنفسهم وستجعل التفاوض مع روسيا مهمة غير سهلة للغاية.